بشريته صلى الله عليه وسلم
قَالَ اللُه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ العَزِيز: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: 110] [فصلت: 6].
وقَالَ اللُه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)﴾[الشورى: 51].
وقَالَ اللُه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) ﴾[الإسراء: 94].
عن أم سلمة عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا» أخرجه البخاري (2458)، وَمُسلِمٌ (3/1337).
عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ & الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ، يَقُولُونَ: يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ؟». قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ. قَالَ: «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا». فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ». رواه مسلم (2362).
استفدنا من هذه الأدلة الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير سورة الكهف (رقم الآية110): ذِكْر المثلية لتحقيق البشرية، أي: أنه بشر لا يتعدى البشرية، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يغضب كما يغضب الناس، وكان صلى الله عليه وسلم يمرض كما يمرض الناس، وكان يجوع كما يجوع الناس، وكان يعطش كما يعطش الناس، وكان يتوقَّى الحر كما يتوقاها الناس، وكان يتوقى سهام القتال كما يتوقاها الناس، وكان ينسى كما ينسى الناس، كل الطبيعة البشرية ثابتة للرسول عليه الصلاة والسلام، وكان له ظِلٌ كما يكون للناس.
أمّا من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نُورَاني، ليس له ظل فهذا كذب بلا شك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر له ظل ويستظل أيضًا، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له ظل، لنقل هذا نقلًا متواترًا؛ لأنه من آيات الله عز وجل، إذًا الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثل الناس.
وقد سُئِلَ والدي رحمه الله كما في «إجابة السائل»(169ط الأثرية) ما نصه: ما حكم من يقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس ببشر، ويقول: إنه نور، ويقول: إنه لم يمت وأنه حي ؟
جواب الشيخ رحمه الله: أما الذي يقول : إنه ليس ببشر فإن كان جاهلًا فيعذر بجهله، إلا أنه ملُوم .
وإن كان غيرَ جاهل فهو يعتبر كافرًا، ثم استدل بأدلة في بشريته صلى الله عليه وسلم.
فالذي ينفي البشرية عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو عالم يعتبر كافرًا.
وهكذا الذي يقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما مات، فإنه يقالُ له : «إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ »،يعني: بعد ما يموت لا يدري ما أحدثت أمته بعده ، بل الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ﴾ [آل عمران : 144] .
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد توفي وانقطع الوحي ودفن، وذاك قبره بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه ترهات من ترهات الجاهلين، ومن ترهات الصوفية الذين دنسوا دين الإسلام، والله المستعان. اهـ المراد.