جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 26 مايو 2021

(29)فتاوى رمضان

 

تسأل إحدى أخواتي في الله وفقها الله عن منشورٍ لبعض النساء ما نصه:

المَسْألَةُ الثّانِيَةُ:

رَأى قَوْمٌ مِن أهْلِ الجَفاءِ أنْ يَصُومُوا ثانِيَ عِيدِ الفِطْرِ سِتَّةَ أيّامٍ مُتَوالِياتٍ إتْمامًا لِرَمَضانَ، لِما رُوِيَ فِي الحَدِيثِ: «مَن صامَ رَمَضانَ وسِتًّا مِن شَوّالٍ فَكَأنَّما صامَ الدَّهْرَ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.

وهَذِهِ الأيّامُ مَتى صِيمَتْ مُتَّصِلَةً كانَ احْتِذاءً لِفِعْلِ النَّصارى، والنَّبِيُّ -- لَمْ يُرِدْ هَذا، إنّما أرادَ أنَّ مَن صامَ رَمَضانَ فَهُوَ بِعَشَرَةِ أشْهُرٍ، ومَن صامَ سِتَّةَ أيّامٍ فَهِيَ بِشَهْرَيْنِ " وذَلِكَ الدَّهْرُ. ولَوْ كانَتْ مِن غَيْرِ شَوّالٍ لَكانَ الحُكْمُ فِيها كَذَلِكَ، وإنَّما أشارَ النَّبِيُّ - - بِذِكْرِ شَوّالٍ لا عَلى طَرِيقِ التَّعْيِينِ؛ لِوُجُوبِ مُساواةِ غَيْرِها لَها فِي ذَلِكَ؛ وإنَّما ذَكَرَ شَوّالَ عَلى مَعْنى التَّمْثِيلِ، وهَذا مِن بَدِيعِ النَّظَرِ فاعْلَمُوهُ.

أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية ٢/‏٣٢١ — ابن العربي (ت ٥٤٣).

 قَالَ يَحْيَى، وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ؛ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ، وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ.

*موطأ مالك في كتاب الصيام، جامع الصيام (862,863,864,865) (416/1)*

انظري شيختنا ماذا وصل له بعض السلفيات من تتبع الأقوال الشاذة وترك الحديث الواضح الصريح في استحباب صيام ست من شوال، والأخت المرسلة ترى بأنه لا تتعين صيام الست في شوال والأجر يكون حتى لو صامت في غير شوال؛ نرجو الرد حفظكم الله وفك الإشكال؟

 

لفظ حديث صيام الست من شوال: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ» رواه مسلم.

هذا الحديث نصٌّ في استحباب صيام ست من شوال، وأنها لا تجزئ في غير شوال.

وقد ذهب إلى استحباب صيام ست من شوال جمهور العلماء.

ومن ذهب إلى عدم استحباب صيام ست من شوال فقوله مردود بهذا الحديث.

وقد رُدَّ على قول الإمام مَالِك رحمه الله في «الْمُوَطَّأِ» (1/330) فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا، وَلَمْ يَبْلُغْه ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ، وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ أهل الْجَفَاءِ وَأَهْلُ الْجَهَالَةِ، مَا لَيْسَ فيهُ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً من أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ.

 قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (8/56) متعقِّبًا لهذا القول: وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا.

وَقَوْلُهُمْ: قَدْ يُظَنُّ وُجُوبُهَا يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ.

وقال شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (559): كان أحمد ينكر على من يكرهها كراهة أن يلحق برمضان ما ليس منه؛ لأن السُّنة وردت بفضلها والحض عليها، ولأن الإِلحاق إنما خيف في أول الشهر؛ لأنه ليس بين رمضان وغيره فصل، وأما في آخره فقد فصل بينه وبين غيره بيوم العيد، وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد وحده دليلًا على أن النهي مختص به، وأن ما بعده وقت إذن وجواز، ولو شاء لنهى عن أكثر من يوم، كما قال في أول الشهر: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين».

وقد اعتذر ابن عبد البر رحمه الله في «الاستذكار» (3/380) للإمام مالكٍ بعذرٍ حسنٍ وقال: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ، وَالْإِحَاطَةُ بِعِلْمِ الْخَاصَّةِ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَالَّذِي كَرِهَهُ لَهُ مَالِكٌ أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ، وَذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يُضَافَ إِلَى فَرْضِ رَمَضَانَ، وَأَنْ يَسْتَبِينَ ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّةِ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُتَحَفِّظًا كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ لِلدِّينِ. اهـ المراد.

فابن عبد البر رحمه الله الذي خدم المذهب المالكي يعتذر للإمام مالك بأنه لم يبلغه الدليل. فبماذا يَعتذر من بلغه الدليل؟!

قال الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. والله الموفق.