حياك الله و بياك
أعانك الله و إيانا في أعمال الطاعات
هل يصح هذا القول " يكفي أن يكون عيبا على حافظ القرآن إذا تزوج مع امرأة ليست بحافظة القرآن و كذلك العكس " ؟
هذا وصف كمال، فحفظ القرآن منزلةٌ رفيعة قال الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)﴾[فاطر].
وعن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري.
وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» رواه أبو داود، والحديث حسن.
وليس المقصود بحفظ القرآن تلاوة ألفاظه من غير عمل به ولا تخلُّقٍ بأخلاقه.
قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «مفتاح دار السعادة» (1/42): حقيقةُ التِّلَاوَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع هِيَ التِّلَاوَة الْمُطلقَة التَّامَّة، وَهِي تِلَاوَة اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فتلاوة اللَّفْظ جُزْء مُسَمّى التِّلَاوَة الْمُطلقَة، وَحَقِيقَةُ اللَّفْظ إِنَّمَا هِيَ الِاتِّبَاع يُقَال: اتلُ أَثر فلَان، وتلوتُ أثرَه، وقفوتُه، وقصصتُه بِمَعْنى تبِعت خَلفَه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا﴾[الشمس]، أَي: تبعها فِي الطُّلُوع بعد غيبتها، وَيُقَال: جَاءَ الْقَوْم يَتْلُو بَعضُهم بَعْضًا أَي: يتبع، وسُمِّيَ تاليَ الْكَلَام تاليا؛ لأنه يُتبِع بعض الْحُرُوف بَعْضًا، لَا يُخرجهَا جملَةً وَاحِدَة، بل يُتبِع بَعْضَهَا بَعْضًا مرتبَةً، كلَّما انْقَضى حرف أَوْ كلمة أتبعهُ بِحرف آخر وَكلمَةٍ أُخرى، وَهَذِه التِّلَاوَة وَسِيلَة وَطَرِيقَة.
وَالْمَقْصُود التِّلَاوَة الْحَقِيقِيَّة، وَهِي تِلَاوَة الْمَعْنى واتباعُه، تَصْدِيقًا بِخَبَرِهِ وائتمارًا بأَمْره، وانتهاءً بنهيه وائتماما بِهِ، حَيْثُ مَا قادكَ انقدتَ مَعَه.
فتلاوة الْقُرْآن تتَنَاوَل تِلَاوَة لَفظه وَمَعْنَاهُ، وتلاوة الْمَعْنى أشرف من مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ، وَأَهْلهَا هم أهل الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا والآخرة، فَإِنَّهُم أهل تِلَاوَة ومتابعة حَقًّا. اهـ.
ولهذا كم من حافظ للقرآن والقرآن حجة عليه لا له.
وكون المرأة تكون حافظة للقرآن، والرجل يكون حافظًا للقرآن هذا كمال وهو الأفضل، ودليلٌ على علوِّ الهمَّة، ولكنه لا يُعد عيبًا يُرَدُّ به الرَّجل أو المرأة.
وأما من حيث اللزوم في صفات الرجل والمرأة: الدين والعفاف والاستقامة والصلاح والأخلاق. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ. رواه البخاري ومسلم.
وللعلم أيضًا أنه كان عندنا من النساء مَن ترفضُ مَن يتقدم لها حتى يكون أقوى منها في العلم.
فأنكر والدي رحمه الله هذا وقال: ما ينفعها علمُه هو إذا لم تجتهد لنفسها.