من آدَابِ القِرَاءةِ
◆◇◆◇◆◇
اختيار القراءة في مكان نظيف
لا ينبغي أن يُقرأ القرآن في الأماكن المتسخة المستقذَرة؛ احترامًا لكلام الله عز وجل،ولهذا استحب جماعة من العلماء قراءة القرآن في المسجد، لأنه يكون نظيفًا، ولشرف البقعة يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا». رواه مسلم (671) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ولا ينبغي إهمال قراءة القرآن في البيوت،فالقراءة في البيوت فيها مصالحُ ومنافع:
-أن تُعْمَرَ بالقرآن، والأذكار، ونوافل العبادة فتزخر وتمتلئ البيوت بالخير والبركات.
ولهذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ القرآن في بيته، قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ». رواه البخاري (297)، ومسلم (301).
وكان يصلي صلاة الليل في بيتِه، وحث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الرجل على صلاة النافلة في البيت، كما ثبت عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: الحديث وفيه: فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ». رواه البخاري (731)، ومسلم (781).
-طرد الشياطين، فإن الشياطين تفر من ذكر الله عَزَّ وَجَل، وخاصة عند قراءة سورة البقرة، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه مسلم (780) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
-وليقتدي أهل البيت بالرجل، فهذا قد يكون فيه تشجيع للأهل.
وأحيانًا قد يكون قراءة القرآن في المسجد أفضل بالنسبة للرجل مثل: بعد صلاة الفجر؛ لما رواه مسلم (670) عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: «كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ».
◆◇◆◇◆◇
أقل مدة الاعتكاف:
جمهور الشافعية عندهم لا حد لأقل الاعتكاف فكل من دخل المسجد وجلس فيه له أن ينوي الاعتكاف.
قال النووي رحمه الله في «المجموع» (6/489): أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ. اهـ.
والساعة واللحظة في اللغة: اسم لزمن مجهول المقدار. فليس المراد الساعة التي هي عبارة عن دقائق معدودة (60 دقيقة).
لكن ما نُقل عن الصحابة أنهم كانوا إذا دخلوا لصلاة الفريضة في المسجد أو لسماع خطبة أو لدرس أو لتلاوة القرآن أنهم كانوا يعتكفون، لكن باعتبار أنه ليس هناك تحديد في الشرع لأقل مدة الاعتكاف، ذهب بعض العلماء من الشافعية وغيرهم إلى مشروعية ذلك.
وأقل شيء ثبت في الشرع الاعتكاف ليلة واحدة، كما قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفِ نَذْرَكَ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً». رواه البخاري (2042)، ومسلم (1656).
القراءة في الحمام:
الحمام المراد به: الحمام البخاري الذي يَغتسل فيه جماعة من الناس، ويطلق أيضًا على المكان الذي يُغتسل فيه أيًّا كان.
وفي حكم القراءة في الحمام قولان لأهل العلم:
القول الأول: لا تكره القراءة فيه وهو قول مالك وعطاء وإبراهيم النخعي عزاه إليهم ابن المنذر، وعزاه ابن كثير رَحِمَهُ الله في «فضائل القرآن»(224) إلى كثير من السلف.
القول الثاني: تكره القراءة فيه وهو قول علي بن أبي طالب وحكاه ابن المنذر عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة، والشعبي، والحسن، ومكحول، وقبيصة، وإبراهيم النخعي.
وحجتهم: أنه محلٌ للتكشف، ويُفعل فيه ما لا يستحسن عمله في غيره؛ فاستُحب صيانة القرآن عنه. ذكره ابن قدامة في «المغني».
قال ابن قدامة: الأولى جواز القراءة فيه؛ لأنا لا نعلم فيه حجة تمنع من قراءته. «المغني» رقم المسألة (327). وما ذكره ابن قدامة هو الصواب، وهو قول كثيرٍ من السلف،كما تقدم.
◆◇◆◇◆◇
حكم القراءة في الحشوش
قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع»(3/149): الحَشٌّ: الْخَلَاءُ، وَأَصْلُهُ الْبُسْتَانُ وَكَانُوا يَقْضُونَ الْحَاجَةَ فِيهِ، فَسُمِّيَ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَشًّا. اهـ.
الحش وهو: المكان المعد لقضاء الحاجة هذا لا يُقرأ فيه القرآن؛ تعظيمًا لكلام الله، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾ [الحج]. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». رواه أبو داود (6)، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قال الخطابي في «معالم السنن»(25): فمعناه أن الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد؛ لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله وتكشف فيها العورات. اهـ.
الشاهد: أن الحشوش ليست مكانًا لقراءة القرآن -حتى البقاء فيها يكون على قدر الحاجة فلا ينبغي الإطالة فيها؛ لأنها مأوى الشياطين، ولأنها أماكن قذرة- قال ابن كثير رَحِمَهُ الله في «فضائل القرآن» (224): القراءة في الحُشِّ كراهتها ظاهره، ولو قيل بتحريم ذلك؛ صيانة لشرف القرآن لكان مذهبًا. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوي» (11/109): هل يجوز ذكر الله تعالى فى الحمام؟
فأجاب بقوله: لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربَّه عزّ وجلَّ في داخل الحمام؛ لأن المكان غير لائق لذلك، وإن ذَكَره بقلبه فلا حرج عليه بدون أن يلفظ بلسانه، وإلا فالأولى أن لا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر حتى يخرج منه.
أما إذا كان مكان الوضوء خارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله فيه. اهـ.
والحمام الذي سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله المتعارف عندنا إطلاقه على المكان المعد لقضاء الحاجة.
◆◇◆◇◆◇
حكم قراءة القرآن في بيت الرحى وهي تدور
الرحى: الطَّاحونةُ. «التَّلخِيص في مَعرفَةِ أسمَاءِ الأشياء»(219)لأبي هلال العسكري.
وقد علل للمنع الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في «فضائل القران» (224)، وقال: وأما القراءة في بيت الرحى وهي تدور؛ فلئلا يعلو غير القرآن عليه، والحق يَعلو ولا يُعلى، والله أعلم. اهـ.
◆◇◆◇◆◇
حكم القراءة في الطريق:
القراءة في الطريق جائزة ما لم يلته صاحبها فإن التهى عنها كرهت؛ لقول الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [ آلِ عِمْرَانَ: 190-191 ]، ولِما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي مَسِيرٍ لَهُ سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ». الحديث رواه البخاري (5034)، ومسلم (794)، واللفظ له.
هذا الحديث بوَّب عليه الإمام البخاري رَحِمَهُ الله (بَابُ القِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ)، وفيه القراءة في الطريق، والله عز وجل يقول: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) ﴾ [الزخرف].
ما لم يلته صاحبها فإن التهى عنها كرهت كما كره النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القراءة للناعسين مخافة الغلط.
روى مسلم (787) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ».
فإذا خشي أن يُشغل عن تدبر القرآن وتفهمه، أو يكثر غلطه؛ لانشغال قلبِه، فالأفضل ترك القراءة، وممكن يشغل نفسه بالتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير... وطرق أبواب الخير كثيرة.
◆◇◆◇◆◇
استقبال القبلة عند قراءة القرآن
ليس فيه دليل صحيح يحثُّ على تحري استقبال القبلة عند قراءة القرآن، فمن استقبل القبلة أو ترك فالأمر واسع، وعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تقول: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي، وَأَنَا حائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
وأما حديث:«خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ»، فهو حديث ضعيف..
وقد سُئِل الشيخ ابن عثيمين عن هذه المسألة،فقال:لا أعلم في هذا سنة أن الإنسان إذا أراد قراءة القرآن يستقبل القبلة، فالصواب أن لا يتحرى الإنسان استقبال القبلة ولا يتعمد تركها ،يقرأ حيث ما كان ،وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها ويقرأ القرآن، ولم يَرد أنه كان يتقصَّد استقبال القبلة ، ولا حث أمته على استقبال القبلة عند قراءة القرآن فيما أعلم .[المرجع مقطع صوتي تمَّ تفريغ هذه الكلمات منه].
◆◇◆◇◆◇
الخشوع عند قراءة القرآن
الخشوع: الخضوع، كما في «القاموس».
قال ابن رجب في «تفسيره» (2/8): أصلُ الخشوع هو: لينُ القلبِ ورِقَّتُه وسكونُه وخشوعُه وانكسارُه وحرقتُه، فإذا خشعَ القلبُ تبعهُ خشوعُ جميع الجوارح والأعضاءِ؛ لأنَّها تابعة له، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إنَّ في الجسد مُضْغَة، إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلّه، ألا وهي القلبُ».
فإذا خشعَ القلبُ، خشعَ السمعُ والبصرُ والرأسُ والوجهُ وسائرُ الأعضاءِ وما ينشأُ مِنْها حتى الكلامِ. ولهذا كانُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ في ركوعِه في الصلاة: «خشعَ لك سمعِي وبصرِي ومُخي وعظامِي». اهـ.
وقد أثنى ربنا على من اتصف بصفة الخشوع، فقال: ﴿ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35].
وعلى قارئ القرآن أن يحذر من خشوع النفاق يعني: يكون قلبه خاليًا من الخشوع ويظهره تصنعًا، هذا خشوع نفاق سواء يظهر في صوته الخشوع تصنعًا أو في جوارحه، ونسأل الله العافية.
◆◇◆◇◆◇
السكينة والوقار عند قراءة القرآن
قال النووي رَحِمَهُ الله في «شرح صحيح مسلم» تحت رقم (603) قيل: هما بمعنى. وجمع بينهما تأكيدًا والظاهر أن بينهما فرقًا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، ونحو ذلك.
والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت، والإقبال على طريقه، بغير التفات، ونحو ذلك، والله أعلم. اهـ.
وهذا الأدب الجليل كان يحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبات، وعند الذهاب إلى الصلاة. روى مسلم (602) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ»الحديث.
◆◇◆◇◆◇
إطراق الرأس
أطرق رأسه: لم يتكلم وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض. كما في «القاموس» (3/374).
والمراد لا يشغل نفسه بالالتفات والنظر إلى الناس مَن دخل وخرج نظر إليه، أو يشغل نفسه في هذه الأزمنة بالجوال. ولكنه يقبل على قراءة القرآن، قال الله تعالى: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ [الأحزاب: 4].
ويتناول هذا الأدب: الحث على خُلُقِ السكينة والوقار.
فهذا أدب عظيم أن قارئ القرآن يجمع قلبه وجوارحه عند قراءة القرآن، وأن يحذر عند قراءته مما يشوش عليه من الوساوس، والالتفات، وشغل البال.
◆◇◆◇◆◇
ومن آداب قارئ القرآن:
قال النووي:وَيَكُونَ جُلُوسُهُ وَحْدَهُ فِي تَحْسِينِ أَدَبِهِ وَخُضُوعِهِ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ يَدِي مُعَلِّمِهِ.
فكما يتأدَّب قارئ القرآن بين يدي معلِّمه كذلك على القارئ أن يُحسن أدبه عند خلوته وانفرده عن الناس؛ إجلالًا لله وتأدبًا مع كتابه.
وهذا الأدب فيه تحسين العبادة في السِّر حيث لا يعلمها إلا الله؛ لأنَّها أدل على الإخلاص ومراقبة الله، فإن الإنسان قد يتزيَّن بالأدب بين الناس وإذا انفرد نزع حليَة الأدب. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله، ومنهم: ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه. متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح بلوغ المرام»(3/100): هذا الرجل ذكر الله خاليًا سواء كان يقرأ، أو يصلي، أو يتأمل، أو يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك، المهم: أنه خالٍ ففاضت عيناه شوقًا إلى ربّه. اهـ.
◆◇◆◇◆◇
حكم قراءة القرآن قائمًا، أو مضطجعًا
يجوز قراءة القرآن على أي حال من ذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [ آلِ عِمْرَانَ: 190-191 ]، وقال: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾[النساء: 103]، والقرآن من ذكر الله عزوجل. وسواء كان مضطجعًا على الجانب الأيمن، أو الأيسر، أو مستلقيًا على ظهره.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجرِي، وَأَنَا حائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ. أخرجه البخاري (297)، ومسلم (308)، وَفِي رِوايَةٍ: يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسَهُ فِي حِجرِي» رواه البخاري (7549).
وروى البخاري (4344) عن أبي موسى، الحديث، وفيه: أن معاذًا قال لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقًا.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنِّي لِأَقْرَأُ حِزْبَي، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ. أخرجه عبد الرزاق (1/340)، وغيره وهو أثر صحيح.
قال النووي رَحِمَهُ الله في «التبيان»: (وَلَوْ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجَعًا أَوْ فِي فِرَاشِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ جَازَ، وَلَهُ أَجْرٌ، وَلَكِنْ دُونَ الْأَوَّلِ) كلامه رحمه الله يفيد: أن الأفضل قراءة القرآن في حال الجلوس. والله أعلم.