جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

(68)الإجابةُ عن الأسئلةِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد

فهذه أجوبة على بعض أسئلة واستفسارات أخواتي في الله؛ رغبة في التعاون على الخير والبر والتقوى.

والعلم سؤال وجواب، كما استنبط أهل العلم من حديث جبريل عليه الصلاة والسلام لما جاء وسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عن أصول العقيدة ،سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» رواه مسلم (8) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. و في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :«هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ» رواه البخاري (50)، ومسلم (9).

 والعلم له أقفلة ومفاتيحها الأسئلة، وكما قال الزهري رحمه الله: «الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمَفَاتِيحُهَا السُّؤَالُ» رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (534)، و الخطيب «الفقيه والمتفقه» (2/ 61).

 وقال سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: حُسْنُ الْمَسْأَلَةِ نِصْفُ الْعِلْمِ. رواه أبو زرعة في «تاريخه» (1/ 317).

وحُسن السؤال يشمل: الأسئلة المفيدة النافعة، ويشمل حسن صياغتها،حتى إن بعضَ السلف كان يقول لِمن لا يحسن يسأل:اذهب فتعلَّم كيف تسأل ثم تعال.

والآن مع الأسئلة وأجوبتها إن شاء الله تعالى، وأسأل الله التوفيق والإخلاص. 

❖❖❖❖❖❖

السؤال: جعلكم ربي في خير حال، وأسبغ عليكم نعمه ظاهره وباطنه، كان عندنا إشكال فيما يخص أسباب النزول، فقد نجد للآية الواحدة كذا رواية في سبب نزولها وربما اختلف شطر الآية المشار إليه في هذه الروايات، فهل حينها نجمع بين الروايات، مثلًا قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة:144] ذُكر في «أسباب النزول» للوالد الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عند البخاري، ورواية لمسلم وفيها أن الآية التي نزلت قوله ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾، فهل كلاهما في سبب نزول الآية؟

الجواب: أحيانًا يتعدد سبب نزول الآية، (وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ)، كما قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (8/ 531).

ومعرفة تعدد سبب نزول الآية يعلم بالرجوع إلى كتب التفسير، وكلام أهل العلم. وأما إذا كان أحد الدليلين صحيحًا والآخر ضعيفًا فلا تعدد هنا؛ لأن العمل للصحيح دون الضعيف.

أما سبب نزول الآية ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) ﴾[البقرة:144] فهذا جاء عن البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كما أشارت إليه السائلة حفظها الله، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 144]، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ. الحديث رواه البخاري (399)، وفي رواية الإمام مسلم (525): «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا» حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144]. الحديث.

 والاقتصار في رواية الإمام مسلم على ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ اختصار من الآية الكريمة، وليس من تعدد أسباب النزول، والله أعلم.

❖❖❖❖❖❖

السؤال: ما حال حديث: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا يَشْبَعُ»؟

الجواب: الحديث رواه الحاكم في «المستدرك» (312) عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (51).

❖❖❖❖❖❖

السؤال: سائلة تقول: أهلي ما كانوا مستقيمين وما تربيت على الاستقامة، ونشأت على كبار المعاصي التي ما ممكن  طفلة تفعلها. فهل لي ذنبي أني هكذا؟

عرفت طريق السنة وأحاول أعبد الله فترة وأفرح أني استقمت وأني ملتزمة، إلا أني أرجع إلى المعاصي بأعظم من قبل وتكون الطاعة ثقيلة. فعرفت أني أكذب بالتزامي وأحيانًا أيأس لأني مازلت هكذا.

وأيضًا والداي إذا طلبا شيء أحيانًا يثقل علي وأتكبد طاعتهما مع المحاولة أني ما أظهر ضيقي فيظهر ويشعر والداي بتغير، فهل هذا عقوق، وهل أحاسب مع أني أحاول برهما؟

الجواب: عليك التوبة الصادقة، فإن الذنوب من أسباب الخذيلة والزيغ، كما قال الله عَزَّ وَجَل: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) ﴾ [الصف]. ومن أسباب اتباع الهوى ورد الحق، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) ﴾ [المائدة]. وقال عَزَّ وَجَل: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾ [القصص].

والذنوب شؤم وبلاء على صاحبها في الدنيا والآخرة، وهو من أسباب: المصائب، والفتن، والضيق، والأمراض، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾ [الشورى].

الذنوب تظلم القلوب، وتفسدها، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾} [المطففين: 14]. رواه الترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الجامع الصحيح» (1430) لوالدي رَحِمَهُ الله .

ولكن معاودتك للمعاصي إن كان بعد توبة صادقة ففضل الله عز وجل واسع، ورحمته واسعة، فقد ثبت عند الإمام مسلم (2758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في الحديث القدسي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ».

 فهذ الحديث يدل أن الإنسان إذا زل مرة أخرى وعاد إلى المعصية، فليتذكر سعة رحمة الله عز وجل، ويستبشر بمغفرة الله عز وجل، ما دام أنه يقع منه الذنب، ثم يستغفر ويتوب توبة صادقة.

 قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «الفوائد»ص(16-17) في الكلام على هذا الحديث: فَلَيْسَ فِي هَذَا إِطْلَاق وَإِذن مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي المحرّمات والجرائم، وَإِنَّمَا يدل على أَنه يغْفر لَهُ مَا دَامَ كَذَلِك إِذا أذْنب تَابَ، واختصاص هَذَا العَبْد بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ قد علم أَنه لَا يصر على ذَنْب، وَأَنه كلما أذْنب تَابَ، حكم يعم كل من كَانَت حَالُه حالَه، لَكِن ذَلِك العَبْد مَقْطُوع لَهُ بذلك، كَمَا قطع بِهِ لأهل بدر، وَكَذَلِكَ كل من بشّره رَسُول الله بِالْجنَّةِ، أَو أخبرهُ بِأَنَّهُ مغْفُور لَهُ لم يفهم مِنْهُ هُوَ وَلَا غَيره من الصَّحَابَة إِطْلَاق الذُّنُوب والمعاصي لَهُ ومسامحته بترك الْوَاجِبَات، بل كَانَ هَؤُلَاءِ أَشد اجْتِهَادًا وحذرًا وخوفًا بعد الْبشَارَة مِنْهُم قبلهَا كالعشرة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، وَقد كَانَ الصديّق شَدِيد الحذر والمخافة، وَكَذَلِكَ عمر فَإنهم علمُوا أَن الْبشَارَة الْمُطلقَة مقيّدة بشروطها، والاستمرار عَلَيْهَا إِلَى الْمَوْت، ومقيدة بانتقاء موانعها، وَلم يفهم أحد مِنْهُم من ذَلِك الْإِطْلَاق الْإِذْن فِيمَا شاؤوا من الْأَعْمَال. اهـ.

وقال القرطبي رَحِمَهُ الله في «المفهم» (22/ 126):الحديث يدلّ على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته، وحلمه وكرمه، ولا شك في أن هذا الاستغفار ليس هو الذي ينطق به اللسان، بل الذي يثبت معناه في الجنان،..فيحل به عقد الإصرار ، ويندم معه على ما سلف من الأوزار . اهـ.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ» رواه مسلم (2748) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

واحمدي الله عز وجل، الذي منَّ الله عليك بمعرفة السنة، والنور، والخير. فاستقيمي كما أمرك الله عز وجل، وجاهدي، وجالسي الصالحات، وحافظي على وقتك، فإن الفراغ سبيل إلى كل شر وسوء وبلاء.

أما قولك: (وأيضًا والداي إذا طلبا شيء أحيانًا يثقل علي وأتكبد طاعتهما) فهذا داخل في الأذية للوالدين، وداخل في العقوق، قال الله عز وجل: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) ﴾ [النساء].

وقوله: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ اسم فعل مضارع بمعنى: أتضجر.

قال القرطبي في «تفسيره»(10/ 242): وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا يُضْجِرُ وَيُسْتَثْقَلُ: أُفٍّ لَهُ.

 وقال الشوكاني في «فتح القدير» (3/260): وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ يُنْبِئُ عَنِ التَّضَجُّرِ وَالِاسْتِثْقَالِ، أَوْ صَوْتٌ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ، فَنُهِيَ الْوَلَدُ عَنْ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوِ الِاسْتِثْقَالِ لَهُمَا، وَبِهَذَا النَّهْيِ يُفْهَمُ النَّهْيُ عَنْ سَائِرِ مَا يُؤْذِيهِمَا بِفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِلَحْنِهِ ،كَمَا هُوَ مُتَقَرِّرٌ فِي الْأُصُولِ ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ النَّهْرُ: الزَّجْرُ وَالْغِلْظَةُ، يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَا تُكَلِّمْهُمَا ضَجِرًا صَائِحًا فِي وُجُوهِهِمَا، ﴿وَقُلْ لَهُما﴾ بَدَلَ التَّأْفِيفِ وَالنَّهْرِ ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أَيْ: لَيِّنًا لَطِيفًا أَحْسَنَ مَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ مِنْ لُطْفِ الْقَوْلِ وَكَرَامَتِهِ مَعَ التَّأَدُّبِ وَالْحَيَاءِ وَالِاحْتِشَامِ.

وقوله سبحانه: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) ﴾ قال القرطبي في «تفسيره» (10/244): فَيَنْبَغِي بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَجْعَلُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَعَ أَبَوَيْهِ فِي خَيْرِ ذِلَّةٍ، فِي أَقْوَالِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَنَظَرِهِ، وَلَا يُحِدُّ إِلَيْهِمَا بَصَرَهُ فَإِنَّ تِلْكَ هِيَ نَظْرَةُ الْغَاضِبِ. اهـ.

فعلمنا مما تقدم:أن الذي يتضجر ويستثقل والديه -الله المستعان- عاق واقع في ذنب كبير.

واعلمي أن الجزاء من جنس العمل اليوم أنت بنت وغدًا أم، وستجدين معاملة أولادك السيئة لك، وكما تدين وتدان.

ولا يقوم العبد بشكر ربه عز وجل حتى يشكر لوالديه، فقد قرن الله عَزَّ وَجَل شكره بشكر الوالدين،﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) ﴾ [لقمان]، والله المستعان.

 ❖❖❖❖❖❖

السؤال: سؤال من أخت تقول: هل زوج الأم يبقى محرمًا لأولادها حتى بعد طلاق الأم منه؟

الجواب: زوج الأم المدخول بها مَحْرمٌ على الأبد، قال تعالى في سياق المحرمات: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء:23].

وروى البخاري (5106)، ومسلم (1449) عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: «فَأَفْعَلُ مَاذَا؟» قُلْتُ: تَنْكِحُ، قَالَ: «أَتُحِبِّينَ؟» قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي، قَالَ: «إِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي»، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ، قَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ».

وهذا عام سواء تربت في حجره أو لا، أما قول الله عز وجل: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ فهذا قيد أغلبي عند جمهور أهل العلم، وسواء تزوجت ثم طلِّقت ورُزقت بنات من الزوج الثاني فإن الزوج الأول يكون محرمًا لهن، أو تزوجت ورزقت بنات ثم طلِّقت فإن الزوج الثاني يكون محرمًا لهن، كما يدل لذلك الآية السابقة.

وبعد هذا فهذه فتوى الشيخ ابن باز رَحِمَهُ الله في «مجموعة الفتاوى» (21/ 13) في الجواب على سؤال: تزوج رجل من امرأة، وأنجب منها ولدًا ثم طلقها، وبعد مدة تزوجت المرأة برجل آخر، وأنجبت منه بنتين، فهل يجوز للبنتين الكشف لزوج أمهن الأول، الذي هو والد أخيهن من الأم؟ أفتونا مأجورين.

ج: إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها، والدخول هو الوطء، ثم طلقها، وتزوجت غيره، وأنجبت منه بنات، فإنهن يكن محارم لزوج أمهن الأول؛ لقول الله سبحانه وتعالى في بيان المحرمات في النكاح في سورة النساء: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ الآية. أما قوله سبحانه: ﴿اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ فهو وصف أغلبي، وليس شرطًا عند أهل العلم؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ ولم يقل سبحانه: فإن لم يكن في حجوركم فلا جناح عليكم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه: «لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن» . . . وهكذا بنات الزوجات المدخول بهن إذا كن من زوج سابق، حكمهن حكم البنات اللاتي ولدن من زوج بعد الفرقة والدخول. والله ولي التوفيق. اهـ.

وفي «فتاوى اللجنة الدائمة»(18/218)برئاسة الشيح ابن باز:امرأة تزوجت زوجا وطلقها، وتزوجت زوجا بعده وجاء لها من الزوج الأخير بنات، فهل زوجها الأول محرم للبنات اللاتي من زوجها الآخر أم لا؟

ج: يحرم على الرجل نكاح بنات المرأة المدخول بها، ويعتبر محرما لجميع بناتها ما قبل الزواج وما بعده،واستدلوا بآية النساء السابقة.أما إذا لم يكن دخل بها فليس محرما لبناتها؛ لقوله تعالى:﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾وبالله التوفيق.اهـ.

لكن هنا تنبيه لو خُشي الفتنة من زوج الأم فيُبتعد عنه، وهكذا العكس، فقد ذَكر لي بعض أخواتي في الله أن البنت قد تُفتن به مما يجعلها تتعمد التزيُّنَ من أجله والتودُّد له، إنما الكلام مع الأمن والسلامة من وساوس الشيطان وفتنته.

 ❖❖❖❖❖❖

السؤال: كيف نجمع بين: «اذا رأيتم المداحين فاحثوا»، وبين أدلة المدح ؟

الجواب: الجمع كما قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (18/ 126): قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَازَفَةِ فِي الْمَدْحِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْأَوْصَافِ، أَوْ عَلَى مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ إِذَا سَمِعَ الْمَدْحَ. وأما من لا يخاف عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِكَمَالِ تَقْوَاهُ وَرُسُوخِ عَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَلَا نَهْيَ فِي مَدْحِهِ فِي وَجْهِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ، بَلْ إِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَنَشَطِهِ لِلْخَيْرِ، وَالِازْدِيَادِ مِنْهُ، أَوِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ، أَوِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ كَانَ مستحبًا، والله أعلم. اهـ.

 ❖❖❖❖❖❖

 السؤال: فضلًا وتكرًما أريد أدلة على جواز تزكية النفس للحاجة إليها حتى نستفيد؟

الجواب:

-يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رواه مسلم (2278) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

-وفي «الصحيحين» البخاري (3340)، ومسلم (194): «أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

-ويقول نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام للملك: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) ﴾ [يوسف].

-وفي «صحيح مسلم» (2463) عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ، لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ».

-وعثمان بن عفان رضي الله عنه عند أنِ ابتلى كان يذكر بعض مناقبه، ومن ذلك: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهو السلمي، أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّة؟ُ» فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ؟» فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: «لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِيهِ الوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ» رواه البخاري معلقًا (2778)، وَقَدْ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، كما في «فتح الباري»(5/ 407).

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى﴾ [البقرة: 159] إِلَى قَوْلِهِ ﴿الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 160] إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ. رواه البخاري (118)، ومسلم (2493).

-عن كعب بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في تخلفه عن غزوة تبوك، قال: فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا. رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).

-عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّكُمْ لَتُجَاوِزُونِي إِلَى رِجَالٍ، مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِحَدِيثِهِ مِنِّي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ» رواه الإمام مسلم (2946).

هذه بعض الأدلة والآثار في جواز التزكية للنفس عند الحاجة.

وليُعلم أن الأصل عدم تزكية النفس، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) ﴾ [النساء]. وقال عَزَّ وَجَل: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) ﴾ [النجم].

وروى البخاري (6192)، ومسلم (2142) واللفظ له عن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قالت: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّةَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ» فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟ قَالَ: «سَمُّوهَا زَيْنَبَ».

 ولكن إذا دعت الحاجة والمصلحة: كما لو احتاج إلى الدفاع عن نفسه، أو لإظهار منزلته؛ ليستفاد منه، أو نحو هذا فهذا جائز. وقد قَالَ رَبِيعَةُ بن أبي عبد الرحمن: «لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ» علَّقه البخاري (1/27)،ووصله البيهقي في «المدخل» (2/678).

 استفدت من والدي رحمه الله :معناه إذا كان هناك جماعة، وهم لا يعلمون أنك طالب علم، فينبغي أن تشعرهم بذلك؛ لأجل أن يستفيدوا من علمك.

❖❖❖❖❖❖

السؤال: ما حال حديث (بارك الله لك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ أشده )؟

الجواب: ذكر هذا السيوطي رَحِمَهُ الله في «وصول الأماني بأصول التهاني» ضمن «الحاوي في الفتاوى» ص(64) عن بعض السلف.

وهي مقالة اشتهرت . أما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فلم تثبت، لكن لو هنَّأ به أحدٌ فلا محظور فإنه دعاء طيب، وقد ذكر هذه التهنئة ابن القيم في «تحفة المودود بأحكام المولود» (29)، والله أعلم.

 ❖❖❖❖❖❖

السؤال: هل قول أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.

هل هذا خاص بتلك المقالة، أم هذا عام في كل شيء يسمعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وقت تلك المقالة فما بعد؟

هذا عام، وهذا من معجزات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ومن طبيعة الإنسان النسيان، وقد ثبت لأبي هريرة ببركة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بسط أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثوبه، ويدل أنه للعموم قول أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ» فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ. رواه البخاري (119)، وفي رواية لمسلم (2493) «فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ»

قال العيني في «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (2/ 183): فَفِي قَوْله: (بعد ذَلِك الْيَوْم) دَلِيل على الْعُمُوم، وعَلى أَنه بعد ذَلِك لم ينسَ شَيْئا سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا أَن ذَلِك خَاص بِتِلْكَ الْمقَالة، كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهر قَوْله: (من مقَالَته تِلْكَ)، ويعضد الْعُمُوم مَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (أنَّه شكى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ينسى) . فَفعل مَا فعل ليزول عَنهُ النسْيَان.وتنكير: (شَيْئًا)، بعد النَّفْي يدل على الْعُمُوم؛ لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تدل عَلَيْهِ، فَدلَّ على الْعُمُوم فِي عدم النسْيَان لكل شَيْء من الحَدِيث وَغَيره. اهـ.

وأحفظ الصحابة أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أجمعين، بل أحفظ هذه الأمة، كما قال الذهبي في «الموقظه» ص(69): والحُفَّاظُ طبقات: في ذِرْوَتِها: أبو هريرة رضي الله عنه.

❖❖❖❖❖❖

السؤال: تسأل عن حكم الجمع بين(اللهم آمين)؟

الجواب: ليس فيه دليل على الجمع بين (اللهم آمين)،والنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ»أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (907) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الجامع الصحيح» (1/ 114).

ومن الأدلة أيضًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري (782)، ومسلم (410).

فليس في هذا الحديث ولا غيره الجمع بين(اللهم آمين)، ولكن لو جمع بينهما في غير الصلاة فهذا جائز؛ لعدم المانع، والأفضل التقيُّد بما علَّمنا به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم.