الدرس الحادي عشر [سورة الحج (22) : آية 25]
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ
نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25)﴾
قال ابن كثير: يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى
الْكُفَّارِ فِي صَدِّهِمُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَقَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ فِيهِ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمُ أَوْلِيَاؤُهُ وَما كانُوا
أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال: 34] الآية، وَفِي
هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
﴿الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ﴾ قال ابن
كثير: أَيْ يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، َقَدْ
جَعَلَهُ اللَّهُ شَرْعَا سَوَاءً لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُقِيمِ فِيهِ
وَالنَّائِي عَنْهُ الْبَعِيدِ الدَّارِ مِنْهُ.
قال القرطبي رَحِمَهُ الله في تفسيره(12 /32):﴿الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ﴾ أَيْ: لِلصَّلَاةِ
وَالطَّوَافِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ" [آل عمران: 96].
﴿ الْعاكِفُ فِيهِ ﴾ المقيم فيه ﴿
وَالْبادِ﴾ الوارد على مكة.
﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ
بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ من أهل العلم من قال: الباء زائدة لأن ﴿يرد﴾ تتعدى بنفسها، ولها نظائر مثل قوله
سبحانه:﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ أي تنبت الدهنَ.
والقول الآخر أن ﴿يرد﴾ هنا بمعنى يهمّ، وهذا استحسنه
ابن كثير فقال: [وَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ ضَمَّنَ الْفِعْلَ هَاهُنَا مَعْنَى
يَهُمُّ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ فَقَالَ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ
أَيْ يَهُمُّ فِيهِ بِأَمْرٍ فَظِيعٍ مِنَ الْمَعَاصِي الْكِبَارِ.] وهو أيضًا قول
ابن القيم .
﴿ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ﴾ اختلفت ألفاظ المفسرين في معنى الظلم هنا، فمنهم من فسره بالشرك، ومنهم من فسره بالشتم والقول السيء، ومنهم من فسره
بالقتل، ومنهم من فسره بالاحتكار إلى غير ذلك، وقد بين الحافظ ابن كثير أن
الآية أعم من هذا فقال رحمه الله [وَهَذِهِ الْآثَارُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ
هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْإِلْحَادِ، وَلَكِنْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ
فِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهَا].
وقال القرطبي في
تفسير هذه الآية (12 / 26):
وَهَذَا الْإِلْحَادُ وَالظُّلْمُ يَجْمَعُ جميع
الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الصَّغَائِرِ. ا ه.
من فوائد هذه الآية
المباركة:
(1)
حرمة المسجد الحرام وعظم الذنب
فيه.
(2)
العقوبة على الهم السيء في المسجد
الحرام فكيف بمن ألحد .وقد قال عبد الله بن مسعود: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنِ
أَبَيْنَ هَمَّ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا بِهَذَا الْبَيْتِ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ
الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
(3)
نستفيد من قوله ﴿سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ﴾ استواء الناس في المسجد الحرام وما حوله فليس القريب
أحق من البعيد فلا يأتي مقيم بمكة ويقول أنا أحق من الوافد كما يحصل هذا من
بعض الناس الجهال، فالناس سواء . قال القرطبي في «تفسيره» (12 / 34): وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اهـ المراد. وهذا من بركات المسجد الحرام،كما قال تعالى:﴿إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى
لِلْعَالَمِينَ(96)﴾[آل عمران].
(4)
استدل بهذه الآية بعضهم على أنه لا يحل بيع دور مكة
ولا شراءَها ولا تأجيرها،وقد ذكر ابن كثير
رَحِمَهُ الله في تفسيره أقوال العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: ذهبوا إلى أن أراضي مكة تملك وتؤجر وتباع وتورث وهذا
قول الشافعي وطاووس وعمرو بن دينار وآخرين وهو اختيار البخاري في صحيحه فقد بوب
على جواز ذلك ،وفقه الإمام البخاري في تراجمه. وعزاه الحافظ ابن حجر في «فتح
الباري» تحت رقم (1588) إلى الجمهور. وهو القول الصحيح.
ودليل هذا القول:
قول الله سبحانه:﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا
رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج : 40] وقوله﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾[الحشر : 8]
عَن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا
عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟» والشاهد أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل إنه لا دار لي بل أقره على ذلك.
وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يوم فتح مكة «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ،
وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ» الحديث رواه مسلم (1780) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.فنسبَ الدار إلى أبي سفيان.
أثر عمر
أَنَّه اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِمَكَّةَ، فَجَعَلَهَا
سِجْنًا، بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.
القول الثاني: ذهبوا إلى أنها لا تورث ولا تؤجر ولا تباع، وهذا قول إسحاق بن راهويه وقول طائفة من السلف. دليلهم:قول الله
﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ
وَالْبادِ﴾.
وحديث علقمة
بن نضلة قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إِلَّا السَّوَائِبَ مَنِ
احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ.
وهذا الحديث رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف لأنه مرسل
فعلقمة ليس بصحابي.
القول الثالث: قالوا: تملك أراضي مكة ودورها وتورث ولكن لا تؤجر ، وهذا قول الإمام أحمد.
ومن قال: (دور مكة لا تؤجر) قال هذا من باب الرفق
بالناس، ولكن إذا جاز تملكها وشراؤها وبيعها جاز تأجيرها.
(5)استدل بهذه الآية من قال بأن الصلاة
في مكة مضاعفة كالصلاة في مسجد الكعبة
لقوله:﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الذي جعلناه للناس سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ
وَالْبادِ ﴾،قالوا أطلق على مكة اسم المسجد الحرام.
والصواب أن مكة لها حرمتها وفضلها لكن ليس
الصلاة فيها مضاعفة كأجر الصلاة في المسجد الحرام،وإليكم بعض الأدلة:
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِيهِ –أي المسجد النبوي-أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ
صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ» رواه مسلم
(1396).الشاهد تخصيصه صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة المضاعفة في مسجد الكعبة.
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا
إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى. رواه البخاري(1189)،ومسلم (1397).
قال الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى»(12/395):معلوم
أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعًا
بل كان منهيًّا عنه، فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة.
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ»رواه البخاري(1190)،ومسلم(1394).
ووجه الاستشهاد كما بيَّن الشيخ الألباني:الفضيلة
تختص بالمسجد، وليس بمكة كلها بقرينة ذكر المسجد مع مسجد الرسول عليه السلام حيث قال
في الحديث المعروف،ثم ذكر هذا الحديث.قال:فقرن المسجد الحرام مع المساجد ومع مسجد الرسول
عليه السلام يكون هذا قرينة لكون المراد جزء من مكة، وهو مسجد مكة.
وقال رحمه الله قبل ذلك: أنا أفهم من قرينة
ذكر المسجد الحرام مع المسجد النبوي، أن المقصود ليس هو المسجد الحرام بالمعنى العام،
وإنما المقصود به المسجد الذي يصلى فيه وهو مسجد مكة، وليس مكة كلها.«جامع تراث فقه
الإمام الألباني»(8/334).
وقال
الشيخ ابن عثيمين في«مجموع الفتاوى»(12/395): كما أن التفضيل خاص في مسجد الرسول عليه
الصلاة والسلام فهو خاص بالمسجد الحرام أيضًا.اهـ
-ومما يدل أن مكة لا يقال:كلها داخل في المسجد
الحرام أنه يجوز فيها البيع والشراء .قال الحافظ
في «فتح الباري» (3 / 451)في الرد على هذا القول : قَالَ ابن خُزَيْمَةَ لَوْ كَانَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿سَوَاءً العاكف فِيهِ والباد﴾ جَمِيعَ الْحَرَمِ وَأَنَّ
اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ
بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ وَلَا التَّغَوُّطُ وَلَا الْبَوْلُ وَلَا إِلْقَاءُ الْجِيَفِ
وَالنَّتْنِ .قَالَ:وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ..وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ
لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ وَحَوَانِيتِهَا وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
هذا أيضًا من الحجج القوية في الرد على من
قال:إن مكة يقال لها المسجد الحرام،فلو كان كذلك لما ألقي فيها الجيف والنتن ولما كان
فيها دورات المياه وهكذا البيع والشراء .. لأنها تأخذ أحكام المسجد،وهذه الأشياء لا
تجوز في المسجد.
وقد ذهب من المعاصرين إلى أن الصلاة لا تضاعف
بمائة ألف صلاة إلا في مسجد الكعبة الشيخان:الألباني ،والشيخ ابن عثيمين في«مجموع الفتاوى»(12/395).
وقد استدلَّ جمهور العلماء على أن مكة
يضاعف فيها الأجر كالصلاة في مسجد الكعبة بآية الحج التي نحن بصددها.
وبقوله سبحانه:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(1)﴾[الإسراء].
قالوا:النبي صلى الله عليه وسلم اُسرِي به
من بيت أم هاني وأطلق عليه المسجد الحرام. ونص الحديث :عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي
طَالِبٍ، قَالَتْ: بَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ
بِهِ فِي بَيْتِي فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَامْتَنَعَ مِنِّي النَّوْمُ مَخَافَةَ
أَنْ يَكُونَ عَرَضَ لَهُ بَعْضُ قُرَيْشٍ..الحديث.أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»(24/432).
والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري
به من المسجد الحرام من الحِجْر،والدليل:
عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ
لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ
- مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ: قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا
بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ..الحديث.رواه البخاري(3887).
قال البغوي في «شرح السنة»(13/342):الْحطيم:
الْحِجر، سمي حطيما لما حطم من جِدَاره، فَلم يسو بِبِنَاء الْبَيْت.قدَّ، أَي: قطع.والشعرة:
الْعَانَة: والقَصُّ: الصَّدْر.اهـ
وما جاء أنه أُسرِي به من بيت أم هاني فأجاب
عنه الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى»(12/396)،وقال: الحديث الذي فيه أنه أسرى به
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيت أم هاني - إن صحت الرواية - يراد ابتداء
الإسراء ونهايته من الحجر، كأنه نبه وهو في بيت أم هاني، ثم قام فنام في الحجر فأسرى
به من الحجر.اهـ
واستدلوا أيضًا بقوله سبحانه:﴿ هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ﴾[المائدة:95].
قالوا:الهدي يُذبح في الحرم وليس في مسجد الكعبة.
ولكن المراد جوار الكعبة.كقوله تعالى في البُدن:﴿
ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)﴾[الحج].
وبحديث المسور بن مخرمة في قصة صلح الحديبية
الحديث وفيه،وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ
وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ.رواه أحمد(31/220)،وسنده عند أحمد ضعيف،فهو من طريق
محمد بن إسحاق عن الزهري،ومحمد بن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث.
هذا الحديث قال عنه ابن القيم في «زاد المعاد
»(3/270):فِي هَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مُضَاعَفَةَ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ تَتَعَلَّقُ
بِجَمِيعِ الْحَرَمِ، لَا يُخَصُّ بِهَا الْمَسْجِدُ الَّذِي هُوَ مَكَانُ الطَّوَافِ.اهـ
ولو ثبت فالحديث(يدل على أن الصلاة في الحرم
أفضل، لكن لا يدل على حصول التضعيف الخاص في مسجد الكعبة)ما بين القوسين من«مجموع الفتاوى»(12/395)للشيخ
ابن عثيمين.
ومعنى مضطرب،أي :مقيم.هذا والله أعلم.