جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 14 يونيو 2020

(20)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي

سائلة تقول قال الله:واجعل لي لسان صدق في الآخرين. فكيف الجمع بين محبة الثناء الطيب في حال الحياة  وبعد الممات وبين أن يعمل الإنسان رياء  وسمعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم ومن يسمع يسمع الله به.

فقد أعمل العمل محبة أن ينشر الله لي ثناء حسنا في حياتي وبعد مماتي فهل هذا رياء وسمعه؟

الجواب

أولًا أشكر السائلة على حُسْن سؤالِها،وكما قال بعض أهل العلم:حُسن السؤال نصف العلم.وكم ينشرح الصدر للسؤال الحسن المفيد،والعلم هو سؤال وجواب.نسأل الله أن يفقهنا في دينه.

ولِأهمية هذا السؤال والتحاقه بمسائل الإخلاص فقد رأيت أن أجعله مع جوابه في « سلسلة أوصاف طالب العلم».

والجواب:

إذا عمل الإنسان العمل الصالح خالصًا لله وحده لا شريك له ثم ألقى الله له الثناء الحسن فهذه بُشرى له،كما ثبت عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»رواه مسلم(2642).

فإذا ألقى الله له القبول والثناء في قلوب المؤمنين فهذه بشرى عاجلة له،كما قال تعالى:﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 64]،وأيضًا من فضل الله ورحمته لينتفعَ بذلك في الأولى والأُخرى.

قال القرطبي في «المفهم»(6/648):إنما الله تعالى بلطفه ورحمته وكرمه، يعامل المخلصين في الأعمال الصادقين في الأقوال والأحوال بأنواع من اللطف، فيقذف في القلوب محبتهم، ويطلق الألسنة بالثناء عليهم، لينوه بذكرهم في الملأ الأعلى، ليستغفروا لهم، وينشر طيب ذكرهم في الدنيا ليُقتدى بهم، فيعظم أجرهم، وترتفع منازلهم،وليُجعل ذلك علامة على استقامة أحوالهم، وبشرى بحسن مآلهم، وكثير ثوابهم، ولذلك قال: تلك عاجل بشرى المؤمن. والله تعالى أعلم.اهـ

وأما قول نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)﴾[الشعراء].

فهذه الآية استنبط منها الإمام مالك أنه لَا بَأْسَ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ صَالِحًا، وَيُرَى فِي عَمَلِ الصَّالِحِينَ، إذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ:﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾[طه: 39]. كما في « تفسير هذه الآية »لابن العربي.

 وَمما ذكر أبو عبد الله القرطبي قول الله تَعَالَى:﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾أَيْ: حُبًّا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَثَنَاءً حَسَنًا، فَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:﴿وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾عَلَى اسْتِحْبَابِ اكْتِسَابِ مَا يُورِثُ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ.

قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ

ففِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُكْسِبُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ اهـ من تفسير أبي عبد الله القرطبي مع شيءٍ من التصرف.

وقال تعالى:﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان: 74].

قال البخاري في تفسير هذه الآية من صحيحه:أي:أَئمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.اهـ

وقال تعالى:﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)﴾[آل عمران].

قال السعدي رحمه الله في «تفسير سورة آل عمران»(رقم الآية 188): دلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾،وقد قال عباد الرحمن:﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.اهـ


فالحاصل:أنه يجب الإخلاص أعاننا الله وإياكم على تحقيقه.

وأنه إذا كان الحامل على العبادة ابتغاء وجه الله وثوابه وحده لا شريك له،ورغب أن يُخلَّد ذكرُه في الأممِ فيكون تاريخه جميلًا يُذكَرُ بالخير ولا يُذكَرُ بالسوء فإن المؤمنين شهداء الله في أرضه،وليكون قدوة في الخير فإنَّ من اكتسبَ الفضائل وأثنى عليه الناس كان داعيًا للآخرين أن يتصفوا بتلك الفضائلِ والمحامد فيكون له مثل أجورهم لا ينقص من أجورهم شيئًا،وأن ينال الدعاء والاستغفار منهم فيزداد أجوره وحسناته،وأن يحبه المؤمنون ونحو ذلك أنه لا بأس بذلك،كما تقدم في الأدلة مسترشدين على فهمها بالنقولات عن أهل العلم والله أعلم.

أما ما ذكرت في العبارة فقد أعمل العمل محبة أن ينشر الله لي ثناء حسنا في حياتي وبعد مماتي فهل هذا رياء وسمعه؟

فهذا  نعم  داخل في الرياء ،من  فعله  فقد وقع في خطر الرياء ،كما قال ربنا سبحانه فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل  عملا صالحا  ولا يشرك  بعبادة ربه أحدا ،وكما في الحديث القدسي: من عمل عملا أشرك معي فيه غيري  تركته وشركه.

لا بد  في العمل  أن يكون  خالصا  لله ،لا يعمل  لنيل محبة الناس وثنائهم،ولا لأجل دنيا فانية،ولا للشهرة وحب الظهور ..والله المستعان .