الدرس
الخامس :
قال أبو
محمد عبد الله بن أحمد بن محمد المشهور بابن قدامة:
في كتاب
الصيام من عمدة الفقه :
باب أحكام المفطرين في رمضان
ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام:
أحدها: المريض الذي يتضرر به والمسافر الذي
له القصر فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاما أجزأهما.
الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان
وإن صامتا لم يجزئهما
الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على
أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم
مسكينا.
الرابع: العاجر عن الصيام لكبر أو مرض لا
يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا.
الشرح
هذا
الباب في بيان الذين يشرع لهم الفطر في رمضان،وهم:
1-المريض
الذي يتضرر بالصيام،قال تعالى:﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
وقَيْدُ
تضرر المريض بالصيام يفيد: أن الإفطار في رمضان للمريض بشرط إذا كان يتضرر بالصيام إما يشق عليه أو يزيد المرض أو تطول
مُدَّتُه،ويدل لهذا التيسير فإن الله سبحانه وتعالى ذكر الفطر للمريض ، ثم قال:﴿
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
أما
في حالة لا يتضرر بالصيام ولا يشق عليه فجمهور العلماء على أنه لا يفطر،وقد مثَّل
لذلك الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/341)بالزكام اليسير، أو الصداع اليسير،
أو وجع الضرس.
مسألة:من
كان صحيحًا لكنه يخشى المرض من الصيام فلا بأس أن يفطر،لقوله تعالى:﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج:78].
2-المسافر
الذي له القصر،والدليل الآية السابقة في الفطر للمريض.
وقيد
(الذي له القصر) يخرج السفر القصير.قال الشيخ ابن عثيمين في«الشرح الممتع»(6/342)سفر القصر على المذهب-الحنبلي- ورأي
جمهور العلماء يقدر بمسافة مسيرة يومين قاصدين للإبل، وهي مسافة ستة عشر فرسخًا،
ومقدارها بالكيلو، واحد وثمانون كيلو وثلاثمائة وسبعة عشر مترًا بالتقريب لا
بالتحديد.اهـ
وروى
عبدالرزاق في «المصنف»(7765) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ:
الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ:«تُفْطِرُ إِذَا قَصَرَتَ، وَتَصُومُ إِذَا
أَوْفَيْتَ الصَّلَاةَ».
قوله:(فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء
)
يعني
أن الفطر للمريض والمسافر أفضل من الصيام وهذا على مذهب جمهور الحنابلة وبعض
العلماء.
لقول
الله تعالى:﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة:
185].
وذهب
جمهور العلماء إلى استحباب الصيام في السفر إذا كان لا يلحقه مشقة من الصيام ولا
ضرر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم في بعض أسفاره، ولقول أنس بن
مالك: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».
ولأنه
أسرع لبراءة الذمة.
ولأنه يكون مع الناس أنشط على الصوم.
(ولأنه
يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب)(ما بين
القوسين من الشرح الممتع 6/343).
وأما
المريض فذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع»(6/341)ثلاث حالات للمريض:
الأولى:ألا
يتأثر بالصوم، فهذا لا يحل له أن يفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحل له لعموم الآية ﴿وَمَنْ
كَانَ مَرِيضًا﴾[البقرة: 185]،ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلل بعلة، وهي أن يكون
الفطر أرفق به فحينئذ نقول له الفطر، أما إذا كان لا يتأثر فإنه لا يجوز له الفطر
ويجب عليه الصوم.
الثانية:إذا كان يشق عليه الصوم ولا يضره، فهذا
يكره له أن يصوم، ويسن له أن يفطر.
الثالثة:
إذا كان يشق عليه الصوم ويضره، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر، وما أشبه ذلك،
فالصوم عليه حرام.
قوله:(وعليهما القضاء)
إذا
أفطر المريض والمسافر في نهار رمضان فعليهما القضاء،قال تعالى:﴿فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
قوله:(وإن صاما أجزأهما)
يفيد
أن المريض و المسافر يصح الصيام منهما ،والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في
بعض أسفاره هو وبعض أصحابه كما تقدم،وهذا
قول أهل العلم إلا من شذَّ كابن حزم رحمه الله إذْ يقول:لا يصح صيام المسافر ولا
المريض.
قوله
(الثاني: الحائض والنفساء
تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزئهما )
الدليل
أن الحائض والنفاس تفطران وعليهما القضاء:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى
النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ
أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ
يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ
اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ
أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»،
قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ
الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ
مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ:فَذَلِكِ
مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا .
عن معاذة بنت عبدالله العدويَّة قالت: سألتُ عائشة رضي الله عنها
فقلتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحَرُورِيَّةٌ أنتِ ؟!
قلت: لستُ بحرورية، ولكني أسألُ، قالت: كان يُصِيبنا ذلك، فنُؤمَر بقضاء الصوم،
ولا نؤمر بقضاء الصلاة؛ متفق عليه .
و قول عائشة ( أحرورية أنتِ ) نسبة إلى فرقة من الخوارج تعتقد أن المرأة الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم ،وهذا مخالف للأدلة .
و قول عائشة ( أحرورية أنتِ ) نسبة إلى فرقة من الخوارج تعتقد أن المرأة الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم ،وهذا مخالف للأدلة .
قوله
(وإن صامتا لم يجزئهما)
لا
يصح صيام الحائض و النفساء،وهذا تقدم دليله،وعليه إجماع الأمة.
وبالله
التوفيق .
وبقية
الباب يليه إن شاء الله في الدرس الآتي.
انتهى
ولله الحمد الدرس الخامس.