جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 27 مارس 2020

(80)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




الدرس السادس[سورة الحج (22) : الآيات 11 إلى 14]

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ الآيات

﴿عَلى حَرْفٍ﴾ أي: عَلَى شَكٍّ هذا قول بعض المفسرين، وقال بعضهم: ﴿عَلى حَرْفٍ﴾  أي: عَلَى طَرَفٍ. ولا يتعارض التفسيران ،لأن الذي لا يثبت على الدين يعبد الله على طرف منه. قال البغوي في« تفسير هذه الآية» (5 / 368 ):قِيلَ لِلشَّاكِّ فِي الدِّينِ إِنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ لِأَنَّهُ عَلَى طَرَفٍ وَجَانِبٍ مِنَ الدِّينِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالتَّمَكُّن.

﴿فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ﴾عافية أو ولد أو غنى أو غير ذلك.

﴿اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ أي: استقر وثبت على الدين ظاهرًا. 

﴿وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ أي: اختبار وابتلاء.

﴿انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ﴾ أي:ارتد ورجع على عقبيه، إذا أصابه ضيق أو حوادث أو مرض أو فقر انقلب وتغيَّر.

﴿ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾المبين:الواضح.

وفي تفسير هذه الآية أثر ابْنِ عَبَّاسٍ عند البخاري:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ﴾ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ سُوءٌ.

﴿ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12)﴾

﴿ يَدْعُوا ﴾ أي: يعبد من دون الله. فيه أن اللجوء إلى غير الله ضرر وليس فيه منفعة.

﴿ مَا لَا يَضُرُّهُ ﴾إذا ترك عبادته ﴿ وَما لا يَنْفَعُهُ ﴾ إذا دعاه.

﴿ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12)﴾ أي: دعاء غير الله.

﴿يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)﴾ظاهر هذه الآية إثبات الضرر الكثير والنفع القليل للأوثان،ولكن هذا الظاهر ليس هو المراد من الآية،وقد أجلى ذلك الإمام الشوكاني في «فتح القدير» (3 / 521)،وقال:هذه الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مَنْ كَوْنِ ذَلِكَ الدُّعَاءَ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَالْأَصْنَامُ لَا نَفْعَ فِيهَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَلْ هِيَ ضَرَرٌ بَحْتٌ لِمَنْ يَعْبُدُهَا، لِأَنَّهُ دَخَلَ النَّارَ بِسَبَبِ عِبَادَتِهَا، وَإِيرَادُ صِيغَةُ التَّفْضِيلِ مَعَ عَدَمِ النَّفْعِ بِالْمَرَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَقْبِيحِ حَالِ ذَلِكَ الدَّاعِي . اهـ.

وصيغة التفضيل هي لفظة: (أَقْرَبُ).

﴿لَبِئْسَ الْمَوْلى ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: الوثن. ولابن جرير تفسير آخر فقال: لَبِئْسَ ابْنُ الْعَمِّ وَالصَّاحِبُ. وصوب ابن كثير رَحِمَهُ الله قول مجاهد فقال:وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَثَنُ أَوْلَى وَأَقْرَبُ إِلَى سِيَاقِ الْكَلَامِ.

﴿وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ وَهُوَ الْمُخَالِطُ وَالْمُعَاشِرُ.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أربعة أقسام:

1. مجادل مقلِّد يتبع كل شيطان مريد، وهؤلاء هم الأتباع المقلِّدين،كما في آية(3).

2.  مجادل مقلَّد، وهذا حال المتبوعين الدعاة إلى الكفر والضلال،كما في آية(8).

3. من يتبع هواه ويعبد الله على حرف،كما في آية(11).

قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى»: هذا حال أهل الشهوات والأهواء.

4.  ويقابل الذي يعبد الله على حرف المؤمن حقيقة،﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) ﴾

﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ تعليل لما تقدم في ذكر ضلال الأشقياء وهداية المهتدين،فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

ومن فوائد هذه الآية ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ

الحث على الثبات على دين الله عند المحن والضراء.

التحذير من جليس السوء،لأنه سبب في الانحراف والتبديل،فضرره عظيم على العقيدة وعلى الاستقامة وعلى المنهج الحق، ومن جالس جانس.

ولنعلم رحمنا الله وإياكم أن من جلساء السوء أصحاب الغيبة والنميمة والنفاق  فيُحذر من مَجالسهم،لأن مجالسهم منكرة،ولأنهم يؤثرون على من خالطهم. وكم من امرأة تجاهد وما تدري إلا وقد وقعت في الغيبة أو سماعها بسبب الجلساء. فمثل هؤلاء ما فيه إلا العزلة عنهم وعدم مخالطتهم في أماكن لغوهم .ونسأل الله الثبات.