جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 16 مارس 2020

(21) اختصار الدرس التاسع عشر من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




 التعليم

على قسمين: فرض كفاية: وهو الذي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. وفرض عين: وهو الذي يتعيَّن على كل مكلَّف قادر.

فإذا لم يوجد في البلد إلا واحد يصلح للتعليم فإنه يصير الفرض الكفائي فرض عين عليه.

وإذا لم يقم أحد بفرض الكفاية يأثم الجميع. وهذا الحكم ليس خاصًّا بتعليم القرآن.

وإذا طُلِب من شخص أن يُعلِّم، إذا جاء إليه واحد وقال: علِّمني القرآن، أو علمني هذه المسألة، يقول الإمام النووي رحمه الله: (فَامْتَنَعَ فَأَظْهَرُ الوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ) لا يأثم، لأنه هناك من يقوم به غيره. ولكن لا ينبغي له أن يمتنع إلا إذا كان له عذر انشغال، وأنبِّه على عُذرَيْنِ سَقِيْمَيْنِ:

أحدهما: عذْرُ بعضهم عن التعليم والدعوة إلى الله أنه يخشى على نفسه من الرياء، هذا خطأ، لأنه يعد من مداخل الشيطان، ومن تلبيس إبليس ليصده عن الخير، ولهذا عليه أن يجاهد نفسه على الإخلاص وألَّا يترُكَ التعليم.

الثاني: عذر بعضهم أنه يستحي، هذا أيضًا خطأ، ولا يعد هذا حياءً، وإنما هو ضَعْفٌ وخوَر، لأن الحياء محمود في الشرع، وعلى الإنسان أن يُمَرِّنَ نفسَه ويعودها، وأن يحاول ويدعو ربَّهُ حتى يذهب عنه ذلك الضعفُ وَيَسْهُلَ عليه التعليمُ.

وكل واحد عليه أن يعلم حسب طاقته وقدرته من الذكور والإناث، لأنه يكون البدء بالعلم ثم بثمرة العلم وهو العمل به ثم الدعوة إليه.

التعليم علامة على أن الله عز وجل قد جعل البركة لصاحبه، قال نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾.

التعليم أحد مراتب العلم، فالعلم مراتب والتعليم من مراتبه،روى ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (761) عن سفيان الثوري: «أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الْإِنْصَاتُ، ثُمَّ الْحِفْظُ، ثُمَّ الْعَمَلُ، ثُمَّ النَّشْرُ» . وسنده صحيح.

ويدل على أن العلمَ مراتب ما روى أبو داود (3660) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ».

بالتعليم ينمو العلم ويقوى ويزيد، روى البخاري (4684 ومسلم (993) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» .

واستفدت من والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّسَ الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.

وعدم التعليم معدودٌ في حِرْمان الخير والعلم، قال ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة» (1/172): حرمَان الْعلم من هَذِه الْوُجُوه السِّتَّة:

§    أحدها: ترك السُّؤَال.

§    الثَّانِي: سوء الإنصات وَعدم إلقاء السَّمع.

§    الثَّالِث: سوء الْفَهمِ.

§     الرَّابِع: عدمُ الْحِفْظ.

§     الْخَامِس: عدم نشره وتعليمه فَإِن من خزن علمَه وَلم ينشره وَلم يُعلمهُ ابتلاه الله بنسيانه وذهابه مِنْهُ، جَزَاء من جنس عمله، وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ الْحسُّ والوجود.

§    السَّادِس: عدم الْعَمَل بِهِ فَإِن الْعَمَل بِهِ يُوجب تذكُّرَه وتدبُّرَه ومراعاتِه وَالنَّظَر فِيهِ.

فَإِذا أَهمل الْعَمَل بِهِ نَسيَه قَالَ بعض السّلف: كُنَّا نستعين على حفظ الْعلم بِالْعَمَلِ بِهِ.

 وَقَالَ بعض السّلف أيضًا: الْعلم يَهْتِف بِالْعَمَلِ فَإِن أجابه حلَّ وإلا ارتحل.

فَالْعَمَل بِهِ من أعظم أسباب حفظه وثباته، فَمَا استُدِرَّ الْعلمُ وَلَا استجلِب بِمثل الْعَمَل. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الحديد].اهـ كلامه رحمه الله.

_________

نشر العلم منزلته رفيعة، كما قال ربنا سبحانه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت] . أي: لا أحد أحسن ممن دعا إلى الله، ترغيب عظيم في الدعوة إلى الله ونشر العلم.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رواه البخاري (2942 ومسلم (2406) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

حمْر النعم: هي الإبل، وكانت في ذلك الزمن غالية الثمن، ومن أَنْفسِ أموالهم، ومن يهدي الله على يديه رجلًا واحدًا أفضل له وخير له من حمر النعم.

وروى البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (473): عن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، يَقُولُ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: لَوْ قِيلَ لَكَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِكَ إِلَّا يَوْمٌ مَا كُنْتَ صَانِعًا؟ ، قَالَ: كُنْتُ أُعَلِّمُ النَّاسَ.

وثبت عن عبد الله بن المبارك أنه قال:لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.

وبنشر العلم يبقى الدين وتبقى الدنيا، فإذا ذهب العلم وزال ذهبت الدنيا بأجمعِها وقامت القيامة، حتى إن الزهري يقول: كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ، وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا، فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفِي ذَهَابِ الْعِلْمِ ذَهَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ. رواه الدارمي في «سننه» (97).

ولا يشترط أن يكون التعليم في مكانٍ خاص، بل أينما وجد المقام يحتاج فيه إلى تعليم، إلى دعوة، إلى موعظة، إلى أمر بمعروف ونهي عن منكر فعلَ، سواء في البيت مع الأولاد والأسرة، أو في المساجد، أو في الطرقات، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ» . رواه الإمام أحمد (17/61) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الصحيح المسند» (414) لوالدي رحمه الله.

وهذا ما لم يترتَّب على ذلك فتنة، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل] .

_________

ثمانية آداب للمعلِّم  من/التبيان في آداب حملة القرآن

1-إيثار الطالب على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية

هذا من آداب المعلم ألَّا يُشغَلَ عن التعليم بالأعمال والمكاسب وأمور المعيشة، سواء كان فيما يتعلق باحتياجات النفس ومصالحها الدنيوية، أو احتياجات الأهل والأولاد، ولكن يكون بقدر الأمور الضرورية، وهي التي لا بُدَّ منها. وهذا كما قال ربنا: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص] . وقد وُجِد جماعة من المحدثين كانوا يكتسبون، فمنهم من نسبته السمان وهو أبو صالح السمان من تلاميذ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والسمان نسبة إلى بيع السمن،

 ومنهم من نسبته إلى البزاز، مثل: أبي عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري، البزاز نسبة إلى بيع البز، ومنهم من قيل له السكري نسبة إلى بيع السكر وشرائه وعمله.

ومن صدق في تعليمه وأخلص لله فإن الله ييسر له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب، كما قال ربنا سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3] .

_________

2-أن يفرغ المعلم قلبه في حال تعليمه

 هذا من آداب المعلم أيضًا أن يجلس للتعليم وقلبه خالي عن الشواغل.

والشواغل كثيرة، شواغل الدنيا، شواغل الأهل، والأولاد، شواغل القلب: كالحزن والهم والغم والجوع إذا كان يشوِّشُ عليه، وغَلبة النعاس والغضب، وقد بوب الإمام البخاري في «صحيحه» بَابٌ: هَلْ يَقْضِي القَاضِي أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ. ثم أخرج برقم (7158) عن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»، وهو أيضًا عند مسلم (1717).

وأُلحِق بالغضب ما في معناه مما يشوِّش الفكر ويشغل البال ويمنع من استيفاء النظر.

 والمراد من هذا التنبيه أن يقوم بالتعليم وهو منشرح الصدر بعيدًا عن الأفكار والشواغل، والله أعلم.

_________

3-الحرص على تعليم العلم

وهذا من آداب المعلم، وهذا شأن الناصح الغيور على دين الله، أما الذي لا يهمه دين الله فإنه لا يبالي انتفع الناس أو بقوا في عماية الجهالة وظلمات المعاصي.

4-لحرص على تفهيم الطالب

ومن الحرص على تفهيمهم:

1. التصريح بالألفاظ التي فيها الكناية إذا لم يتضح الكلام إلا بالتصريح، ولا يكون هذا من سوء الأدب، لأجل مصلحة التفهيم، مثال ذلك: قصة ماعز عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عند البخاري (6824) قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَنِكْتَهَا» . لا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ

2. إعادة الكلام ثلاثًا كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله، أي: عند الحاجة، روى البخاري (95) عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ «إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا».

3. ضرب الأمثال فإن الأمثال تقرب الأفهام.

4. سؤالهم: هل فهموا؟ وإلا أعاد لهم، كما في قصة وفد عبد القيس الحديث وفيه: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ: بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَشَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ» رواه البخاري(53 ومسلم(17).

5. الإجابة على إشكالاتهم التي لم يفهموها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ومن ذلك:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمانرواه البخاري (3429 ومسلم (124).

6. الصبر على تفهيم الطالب حتى يفهم.

7. التدرج في التعليم، فعلى المعلم أن يراعي مستوى الطلاب حتى لا يسبب لهم الضجر والملل والنفور ، فلا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، فمثلًا: الذي طاقته أن يحفظ صفحة لا يأمره أن يحفظ صفحتين، والذي عنده قدرة على أن يحفظ أكثر يعطيه القدر الذي يستطيعه، حتى يشعر أنه يستفيد وليعينه على التزود من العلم النافع.

 _________

5-مراجعة المعلم المحفوظات للطالب

هذا من الآداب.

 وقد كانت طريقة والدي رحمه الله طريقة ميسرة في حفظ المعلومات والأدلة والقواعد، لكثرة مراجعته للمحفوظات، حتى إنه في آخر الدرس يفاجئ الطالب ويسأله كم حديثًا قرأنا؟ أحيانًا يكون حديثين أو حديثًا واحدًا، وهذا يحفِّز الطالب على الانتباه، ويسأل ما بين الحين والآخر عن المعلومات السابقة، وكان يجعل يومًا في نهاية الأسبوع لمراجعة دروس الأسبوع، سواء في درس «تفسير ابن كثير» أو في «صحيح مسلم»..، حتى إنه قد يسأل عن المعلومات التي مرت هل عهدهم بها قريب أم بعيد، يقول مثلًا: متى عهدنا بهذه المسألة؟ فيقولون: إما أمس أو البارحة أو قبل أسبوع..، وإن كانوا لا يذكرون، فيقول: الطالب: ليس لنا بها عهد.

هذه الطريقة تيسِّر للطالب الحفظ من غير كُلْفَةٍ ولا مشقةٍ، تُيسِّر للطالب الجادِّ في العلم النافع النبوغ والاستفادة، أما الكسلان فهو لا يفرح بالمذاكرة ولا يريد المراجعة.

_________

 6-الثناء على الطالب-إذا أجاب- مالم يخش عليه فتنة

هذا من الآداب. والمقصود من الثناء: إظهار منزلة الطالب وأنه من المجِدِّين المستفيدين. وأيضًا تشجيعٌ للطالب كما كان النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثني على بعض أصحابه. روى مسلم (810) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] . قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» .

وكم للتشجيع من تأثيرٍ في نفس الطالب وتثبيت له وتقوية عزيمته، وقد كنتُ في بدء حضوري لدروسِ والدي العامة التي يقيمُهَا في المسجدِ أقَيِّدُ الفوائدَ فإذا عاد إلينا قرأتها عليه.

فيقولُ: ما شاء الله، فوائد تُشَدُّ لها الرحال.

مع أني لم أفعل شيئًا سوى كتابتها في الدرس، لكن هذا من تشجيعه رحمه الله.

وهكذا كان يفعل مع طلابه، ومن ذلك أن الطالب إذا أجاب بالصواب يقول له: لله دَرُّكَ ودَرُّ أبيك، أو يقول له: أحسنت، أو يقول له: كثَّر الله في الرجالِ من أمثالِكَ..

وذات مرة سمعت طالبًا يقول: لا حاجة للثناء، وهكذا لما شرع والدي في ذكر بعض الطلاب في ترجمته الذين هم على خير وعلم آنذاك، أنكر بعض الطلاب وقال: لا حاجة للثناء، فرد والدي رحمه الله: أنترك هذا للإخوان المسلمين، يقولون: دخل الشيخ، خرج الشيخ، ونحن لا نثني على إخواننا، لابد من إظهار منزلة الطالب.

فالمعلم يثني على الطالب ما لم يخشَ عليه فتنة، فتنة غرور، عُجْب، كِبر،فإذا خشيِ عليه فلا يَفعل، ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وعلى هذا وما أشبهه يُحمل أدلة ذم المدح، كحديث أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي المِدْحَةِ فَقَالَ: أَهْلَكْتُمْ، أَوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ. رواه البخاري (6060 ومسلم (3001). وروى مسلم (3002) عن المقداد بن الأسود أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ» .

 الثناء وعدمُه عبارة عن علاج. ونسأل الله العافية من نزغات الشيطان وشركه.

_________

 7-تعنيف الطالب-إذا لم يُجب- مالم يخش تنفيره

هذا عبارة عن علاج، إذا كان الطالب يحتاج إلى عتاب فلا بأس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف ربما يعاتب بعض الصحابة، فقال لمعاذ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ» رواه البخاري (705 ومسلم (465) عن جَابِرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» رواه البخاري (30 ومسلم (1661) عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فإذا خشي المعلم أن يترك حلقة العلم فلا يعنَّف ولا يذم، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكر التنفير، وقال: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ» رواه البخاري (702 ومسلم (466) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه، ولأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» رواه البخاري (3038 ومسلم (1733) عن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

التنفير عن الدين وعن مجالس العلم لا يجوز، وسفيان بن سعيد الثوري، يَقُولُ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ» رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/784).

والأصل هو اللين والرفق، لكن إذا احتاج المعلم إلى شيء من التخشين لتقويم الطالب وشحْذ همته فهذا حسن.

ومن عبارات والدي رحمه الله في عتابه لبعض طلابه: مرة سأل واحدًا عن مسألة فلم يجب، وهذا الطالب من المستفيدين فسمعت والدي، يقول: ما أكثر الغالطين!

فسألته بعد ذلك لِمَ قال: ما أكثر الغالطين وهو واحد، فقال: الغلط في حقه كبير.

_________

8- لا يحسد المعلم الطالب لنجابة فيه

هذا من آداب المعلم أنه إذا وجد بعض طلابه ذكيًّا نجيبًا لا يحسده على هذه النعمة، ولا يستكثر فيه ما أنعم الله عليه من الخير، بمعنى لا يرى ما أنعم الله عليه كثيرًا، بل عليه أن يُسَرَّ ويفرح بما مَنَّ الله على هذا الطالب من العلم.

إذا كان الحسد حرامًا لآحاد المسلمين فكيف بالمتعلم الذي هو بمنزلة الولد! مع ما يعود من الفضل بعد الله عز وجل إلى المعلم، وما يحصل له من الثواب الجزيل، لأنه السبب في الفضائل التي اكتسبها والعلم الذي حصَّله، حتى إن الناس إذا رأوا طالبًا مؤدَّبًا داعيًا إلى الله يثنون على معلمه ويدعون له. والله المستعان.