جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

(72)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


 [سورة الأنبياء (21) : الآيات 95 الى 97]

﴿وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97)﴾.

﴿وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ﴾ وجب وثبت، قال ابن كثير «يعني قد قدر أَنَّ أَهْلَ كُلِّ قَرْيَةٍ أُهْلِكُوا أَنَّهُمْ لَا يُرْجَعُونَ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.اهـ

هذا أحد التفاسير في معنى الآية ﴿أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾«لَا يُرْجَعُونَ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

 قول آخر : وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَيْ لَا يَتُوبُونَ. هذا فيه  تفسير الرجوع بالتوبة .يراجع/«تفسير البغوي»(3/ 316).

 وابن كثير رحمه الله يستظهر القول الأول أن المراد أنهم «لَا يُرْجَعُونَ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قال بعض العلماء: (لا) في قوله «لَا يُرْجَعُونَ» صلة وتوكيد مثل قوله:﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾[12 : الأعراف]،وقال بعضهم: مثبتة.فلا في هذا الموضع «لَا يُرْجَعُونَ» فيه قولان للمفسرين أحدهما : أنها صلة وتوكيد .والثاني : أنها مثبتة .

﴿حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ يأجوج ومأجوج من نسل آدم عليه السلام بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه البخاري(3348)،ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ " قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ» هذا دليل قاطع أن هذه الأمة من نسل آدم .

قال ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية»(2 / 129): هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. اهـ. 
وقال ابن كثير رَحِمَهُ الله في تفسيره: بَلْ هُمْ مِنْ نَسْلِ نُوحٍ أيضا من أولاد يافث، أي أَبِي التُّرْكِ، وَالتُّرْكُ شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ تُرِكُوا مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ. اهـ.  

يأجوج ومأجوج من نسل نوح أيضًا  كما قال تعالى:﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)﴾[ الصافات] هذه الآية دليل أن يأجوج ومأجوج من ذرية نوح عليه السلام.

وقول ابن كثير:(من أولاد يافث) هذا الله أعلم،فالأسماء تحتاج إلى نقلٍ صحيح. (شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ) الشِّرْذِمَةُ: الجماعة المنقطعة.( مِنْهُمْ) أي: من يأجوج ومأجوج.(تُرِكُوا مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ) هذا جاء في بعض الأخبار الإسرائيلية جاء عن وهب بن منبه قال: هم بنو يأجوج ومأجوج لما بنى ذو القرنين السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين فتركوا فلم يدخلوا مع قومهم فسموا الترك .

وذكر هذا الشيخ ابن باز في «مجموع الفتاوى» (5 / 357) وقال عن يأجوج ومأجوج : وهم في جهة الشرق، وكان الترك منهم فتركوا دون السد وبقي يأجوج ومأجوج وراء السد، والأتراك كانوا خارج السد. اهـ المراد .

وهذا معتمد على بعض الأخبار الإسرائيلية التي لم تثبت فالله أعلم .

ولكن مع ذلك نستفيد: أن من أهل العلم من ذهب على أن الأتراك من هذه الفرقة المفسدة،وذلك أنه لما بنى ذو القرنين السد كان بعضهم غائبين فصاروا خارج السد،وأنه قيل لهم الأتراك: لأنهم لم يدخلوا مع قومهم والله أعلم.

قول ابن كثير:(قالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيُحَجَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»)

 هذا الحديث رواه البخاري برقم (1593)عن أبي سعيد الخدري . من طريق أخرى  -غير التي ذكرها ابن كثير- موصولًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»،وأخرجه البخاري معلقًا عن عمران وهو ابن داور القطان عن قتادة به.

والحديث يدل على أن الحج لا ينقطع بعد خروج يأجوج ومأجوج، وقد جاء أن من علامات الساعة الكبرى الانقطاع عن الحج والعمرة، روى أبو يعلى في مسنده (991) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ» وسنده صحيح وعلقه البخاري تحت رقم (1593)وَقَالَ:قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَة:«لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ»،«وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ ».

يعني البخاري«وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ»أي لفظ:«لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ».

 وكونه أكثر لاتفاق عدد من الرواة على ذكره بلفظ«لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» وانفراد شعبة بهذا اللفظ«لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ»من بين الرواة الذين رووا الحديث عن قتادة.

 وقد ذكر أهل العلم الجمع بين الحديثين كالحافظ ابن حجر في «فتح الباري» تكلم عنه،وقبله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» قال ابن كثير في «البداية والنهاية»(19 / 242): وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: لِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ.