جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

(10) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين


                    الزوج يكون قدوةَ خير لأهله



قال الله تعالى في كتابه  الكريم: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾ [طه].

وقال تعالى:﴿يا أيُّهَا الذين آمنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وقودُها النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم: 6].

وروى البخاري (2554)،ومسلم (1829) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

 وروى البخاري (7150)،ومسلم (142) عن معقل بن يسار، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».

وروى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». 


فعملًا بهذه الأدلة وما في معناها يجب على الزوج أن يكون قدوة خير لزوجته،بل لجميع أهل بيته من زوجة وأولاد وأم وإخوة وأخوات.. وهذا من  إصلاح الأسَر،ومن إصلاح البيوت.وعلى الإنسان البدء بصلاح نفسه وأهله وبيته قبل إصلاح بيوت الناس،ليكون كلامُه مقبولًا كما قال الشاعر:

مواعظُ الواعظ لن تُقْبَلَا .. حتّى يَعِيَها قلبُهُ أوّلَا

يا قوم من أظلم من واعظٍ .. خالَفَ ما قد قاله فِي الملَا؟

أظهر بين النّاس إحسانَهُ ... وبارز الرَّحمن لمَّا خلَا

والإنسان يدعو بأفعاله قبل أقواله ليُقْبَلَ كلامه، وليسلك طريق النجاة فإن الله  سبحانه يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾[الصف].ويقول الشاعر

وعالم بعلمه لم يعملن ..معذب من قبل عباد الوثن

فكن أيُّها الزوج أسوةً في الخير لأهلك،وفي بيتك،فالصاحب ساحب،والطبع من عادته سراق.

وأذكر على الخصوص هذه المسائل:

·    أن يكون متحليًا بالصبر عند المكاره والشدائد والآلام ليكون ممتثلًا لأمر ربه،وليغرس في قلب أهله هذا الخُلُق الجليل. قال تَعَالَى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:155].

·    الإيمان بالقدر والتسليم لأمر الله قال تعالى:﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[التغابن:11]،والله أعلم وأحكم بمصالح عباده.

 وقد علَّق والدي الشيخ مقبل في (بعض دروسه)على هذا الأثر  الذي  رواه  عبدالله بن أحمد في «السنة (899)«عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ:«لَمْ نُوكَلْ فِي الْقُرْآنِ إِلَى الْقَدَرِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا فِي الْقُرْآنِ أَنَّا إِلَيْهِ نَصِيرُ».

وأخرجه الفريابي في «القدر (308)«بلفظ »: لَمْ يُوكِلُوا إِلَى القدر وإليه يصيرون».

والأثر في «الجامع الصحيح في القدر» لوالدي رحمه الله.

 قال لنا :فيه التربيةُ على الاستسلام والرَّاحة النَّفسية ، فأنت تُنظِّم وقتَك ويأتي القدرُ ويصرفُك ،وتقول غدًا سأفعل كذا وتُصرف عنه، لأنه لم يقدَّر لك .

ويقول رحمه الله: يكثرُ الانتحارُ من الذين لا يؤمنونَ بالقدر، ومن أصحابِ الأعصاب.اهـ

·    الزهد والقناعة في الدنيا فلا يجرهم إلى تعظيم الدنيا والفتنة بها،والتطلُّع إلى ما في أيدي الناس،قال تعالى:﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131)[طه].

·    لا تكن سبهللًا بل كن محافظًا على وقتك واغرس في قلب زوجتك معرفة قدر الوقت وقيمته وضرر الفراغ ،فإن الوقت عمر الإنسان،وتضييعه خسارة وندامة،قال تعالى:﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)﴾[الزمر].

·    التحلي بتقوى الله ومراقبته سبحانه في السر والعلانية.

قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾[البقرة].

ويبين لها أن من اتقى الله كفاه الناس.كما قال سفيان بن سعيد الثوري في مناصحته للإمام الجليل محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب«سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد أوصيك بتقوى الله عز وجل فإنك إن اتقيت الله كفاك الناس وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئًا وعليك بتقوى الله عز وجل»رواه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح»(97).

·    ترك الفضول من الكلام والنظر والتدخل فيما لا يعني فإن هذا مما نُسأل عنه يوم القيامة.قال تعالى:﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾[الإسراء].

·    الاهتمام بالقرآن الكريم وتعلم العلم النافع. روى الإمام مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».

وهذه سعادة لا نظير لها،ويعلو أهل البيت بسبب ذلك الراحة النفسية والطمأنينة، ويطرد الشياطين ،والتغاظي عن الهفوات والزلات ،والاحترام والتقدير والهدوء والسكينة،وهذا من ثمار العلم النافع الحميدة أنه يجر إلى المكارم والأدب والمسارعة إلى الخير.

نفعني الله وإياكم.