جديد الرسائل

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

(71)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




[سورة الأنبياء (21) : آية 91]

﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91)﴾

قال ابن كثير: هكذا يذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام مقرونة بِقِصَّةِ زَكَرِيَّا وَابْنِهِ يَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَيَذْكُرُ أَوَّلًا قِصَّةَ زَكَرِيَّا ثُمَّ يُتْبِعُهَا بِقِصَّةِ مَرْيَمَ، لأن تلك مربوطة بهذه، فَإِنَّهَا إِيجَادُ وَلَدٍ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ قَدْ طَعَنَ فِي السِّنِّ، وَمِنَ امْرَأَةٍ عَجُوزٍ عَاقِرٍ لَمْ تَكُنْ تَلِدُ فِي حَالِ شَبَابِهَا، ثُمَّ يَذْكُرُ قِصَّةَ مَرْيَمَ وَهِيَ أَعْجَبُ فَإِنَّهَا إِيجَادُ وَلَدٍ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ. 

﴿وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ أَيْ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء قدير، وأنه يَخْلُقُ ما يَشاءُ، و ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عمر بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ شعيب يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لِلْعالَمِينَ قال: العالمين الجن والإنس.

أثر ابن عباس في تفسير العالمين سنده ضعيف. شعيب بن بشر وهو البجلي، قال البخاري: منكر الحديث .

والعالَم: كل ما سوى الله من الكائنات من جن وإنس وحيوان وجمادات وغير ذلك .



 [سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 94]

﴿إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94)﴾

﴿ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾﴿أُمَّتُكُمْ﴾ أي دينكم وملتكم واحدة كما قال سبحانه عن المشركين: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)﴾﴿ عَلَى أُمَّةٍ ﴾ أي: على ملة ودين.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ»رواه البخاري(3442)،ومسلم(2365)عن أبي هريرة.و[أَوْلَادُ عَلَّاتٍ] هم الإخوة لأب وأمهاتهم شتى. والمقصود أن الأنبياء متفقون على أصول التوحيد والعقيدة وعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وإن كانت  شرائعهم متنوعة كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجًا﴾.

﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾قال ابن كثير:أَيِ اخْتَلَفَتِ الْأُمَمُ عَلَى رُسُلِهَا فَمِنْ بَيْنِ مُصَدِّقٍ لَهُمْ وَمُكَذِّبٍ.

﴿كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجَازَى كُلٌّ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.اهـ من ابن كثير.

 والتنوين في ﴿كُلٌّ﴾ تنوين عوض عن مضاف محذوف، والتقدير كلهم وهذه فائدة أن التنوين في ﴿كُلٌّ﴾ تنوين عوض عن مضاف محذوف، فإذا قٌطعت كل عن الإضافة فإنه يُؤتى بالتنوين عوضًا عن المحذوف.

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾من للتبعيض بمعنى بعض وليست للجنس إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها.

﴿ وعمل صَالِحًا فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ﴾قال ابن كثير:أَيْ لَا يُكْفَرُ سَعْيُهُ وَهُوَ عَمَلُهُ بَلْ يُشْكَرُ فَلَا يُظْلَمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ،﴿ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ﴾ أَيْ يُكْتَبُ جَمِيعُ عَمَلِهِ فَلَا يضيع عليه منه شيء.



v         من فوائد هذه الآيات

1)           أن هذه الأمة أمة واحدة فدينها واحد وربها واحد.

2)           أن دين الأنبياء واحد، فالله عز وجل ذكر عددًا من الأنبياء في هذه السورة ثم قال بعد ذكرهم:﴿إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ فالأنبياء متفقون على أصول الدين.

3)          الحث على الأُلفة وترك الفرقة،لأن ديننا واحد وربنا واحد فلا يحق لنا أن نكون فِرَقًا وأحزابًا.

4)          توعد أهل الفرقة والاختلاف وأن المرجع والمرد إلى الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه:﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

5)          الإخبار باختلاف اليهود والنصارى وغيرهم. وقد روى أبو داود (4596) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» والحديث حسن وهو في «الصحيح المسند» (1317). وفي رواية عند ابن ماجه (3992)  عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث وفيه «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ».

وجميع الفرق هالكة إلا فرقة واحدة وهي الجماعة وهم الصحابة والتابعون ومن سلك سبيلهم.

وديننا دين الأُلفة والاجتماع وبغض الفرقة قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

 ويقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ» رواه الترمذي (2166) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وبسبب تفرُّقِ المسلمين-إلا من رحم الله- وعدم اجتماع كلمتهم أُصيبوا بالضعف والفشل كما قال سبحانه:﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

6)          النجاة والسعادة لأهل الإيمان والعمل الصالح .

7)          أن شرط قبول العمل الصالح الإيمان فمن لا إيمان له فإن أعماله باطلة لا تقبل .

8)          أن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

9)           بشارة للمؤمن وأن عمله الصالح لا يذهب سدى بل يجده مكتوبًا في صحيفة أعماله في يوم أحوج ما يكون فيه الإنسان إلى الحسنات.