جديد الرسائل

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

(15) اختصار الدرس الثالث عشر من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




من آداب المعلِّم

الاهتمام بالزينة الباطنة

قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(26)﴾ [الأعراف: 26].﴿ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ﴾،وهذا هو اللباس الضروري، وهو الذي يستر العورة.﴿ وَرِيشًا ﴾،وهذا هو اللباس الظاهر، وهو لباس كمالي، وهذه هي الزينة الظاهرة، ثم قال سبحانه:﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ وهذه الزينة الباطنة﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ أي: زينة التقوى أفضل وأعلى من زينة الظاهر، وكما قال الشاعر:

إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التُّقى...تقلَّب عريانًا وإن كان كاسيا

وهذا عكس ما عليه حالُ كثير من الناس إلا من رحم الله يهتمون بالشكل الظاهر والزينة الظاهرة ويهملون الزينة الباطنة، فمظاهرهم جميلة نظيفة وبواطنهم مريضة مُظلمة بالمعاصي والأمراض المعنوية، والنبي صلى الله عليه وسلم يحث على طهارة القلب ونقاوته من الأنجاس والأوساخ، كما روى النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» رواه البخاري (52 ومسلم (1599).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الصفات الأربع التي ذكرها النووي:الحسد-الرياء-العُجب-الاحتقار للآخرين-وما شابهها دليلٌ على أمورٍ:

·   الجهل. فهي ثمرة وخيمة من ثمار الجهل، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «مفتاح دار السعادة» (116): وأما شَجَرَة الْجَهْل فتثمر كل ثَمَرَة قبيحة من الْكفْر وَالْفساد والشرك وَالظُّلم وَالْبَغي والعدوان والجزع والهلع والكنود والعجلة والطيش والحِدَّة وَالْفُحْش وَالْبذَاء وَالشح وَالْبخل، وَلِهَذَا قيل فِي حد الْبُخْل: جهل مقرون بِسوء الظَّن. وَمن ثَمَرَته الْغِشّ لِلْخلقِ وَالْكبر عَلَيْهِم وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالْعجب والرياء والسمعة. اهـ.

·   ضعف الإيمان بالقدر.

·   علامة على العلم الذي لم يُنتَفعْ به.

·   علامة على عدمِ بركةِ العلم لصاحبه.

·   علامة على مرض القلب وفساده.

 روى الإمام أحمد (35/467) عَنْ زيد بن ثابت سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ..» وهو في «الصحيح المسند» (351).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

من آداب المعلِّم

سلامة الصدر:

يجب على المعلم أن يكون صدره سليمًا صافيًا من الدَّغَل والغل والحقد والغش.

والذي لا يحمل في نفسه شيئًا من هذه الأمراض وما شابهها يُبارك الله له في علمه، فلا حقد ولا حسد ولا رياء ولا عُجب ولا كبر، وهكذا لا غرور ولا نفاق.. إلى غير ذلك، وقد قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾ [الشعراء]. 


وقد وُصِف عددٌ من العلماء بسلامة الصدور منهم:

·   عمر بن سعيد الثوري أخو سفيان الثوري روى ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (69) عن عبد العزيز بن أبي عثمان قال أصيب سفيان بن سعيد بأخ له يسمى عمر وكان مقدَّما فلما سووا عليه قبره قال: رحمك الله يا أخي إن كنت لسليم الصدر للسلف، وإن كنت لتحب أن تخفي علمَك- أي لا تحب الرياسة. اه.

·   معتمر بن سليمان وصفه ابن معين بأنه سليم الصدر كما في «تاريخه» (2/40) برواية ابن محرز.

·    العراقي وصفه تلميذه الحافظ ابن حجر كما في «طبقات الحفاظ» (544) للسيوطي.

·   أبو الطيب الطبري وصفه أبو حامد الإسفراييني كما في «تاريخ بغداد» (10/491).

·   وفي ترجمة الشيخ ابن باز من كتاب «الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز»(282) لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة. أن الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان سألَ الشيخ ابن باز لماذا نجد لكَ كلَّ هذا القبول والحُبِّ في قلوب الناس؟

غير أن الشيخ ابن باز رحمه الله لم يجبْه ورغِب الإعراض عن مثل هذا السؤال، إلا أن الشيخ عبدالعزيز السدحان ألحَّ عليه في ذلك موضِّحًا أن الغاية من هذا أن يستفيد الجميع، فكان ما قاله رحمه الله: أنني لا أحمل في قلبي شيئًا. اه.

رحمهم الله صدورهم نقيَّة صافية سليمة من الأمراض، لهذا رفعهم الله سبحانه و تعالى وبارك في علومهم وأعمارهم، وجعل لهم لسان صدقٍ في الآخرين.

قال ابن رجب في «لطائف المعارف»(139): قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس. والنصحة للأمة.

وعلَّق ابن رجب على ذلك وقال: وبهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة. اه.

فعلى كل مسلم ومسلمة وبالأخص المعلِّمين والمعلمات وطلبة العلم الاهتمام بصلاح القلب وسلامته ونقائه وصفائه وثباته على دين الله.

ــــــــــــــــــــــــــ

من أهمِّ الأدعية النبوية في صلاح القلب وسلامته:

·   رواه أحمد (28/338) عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ».

·   عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي»رواه أبو داود (1510) وذكره والدي في «الصحيح المسند» (606).

·   «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا»رواه البخاري (6316 ومسلم (763)عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

·   ويقول النبي صلى عليه وسلم: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ» رواه الإمام أحمد (29/178) عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وهو في «الصحيح المسند» (1180).

·   عن شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ، عَلِّمْنِي دُعَاءً، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي». رواه أبوداود(1551)

وأخرجه الترمذي (3492)وعنده(وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي يَعْنِي فَرْجَهُ). والحديث صحيح.

النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتقين وسيد المرسلين يدعو ربه بسلامة القلب، ويعلِّم الصحابة وهم أطهر قلوبًا منا الحرص على الدعاء بذلك، ونحن أحق بذلك لحاجتنا الشديدة إليه، ولعدمِ الاهتمام بمعالجة القلوب وأسباب صلاحها والمحافظة عليها من الأدناس تلوَّثتِ القلوب وأظلمت، وتراكمَ عليها صَدى المعاصي، واستولت عليها الغفلة.



وعاءُ العلم

العلم يحتاج إلى وعاء نظيف -وهو القلب- ليزكو فيه العلم وينمو، كما تُطيَّب الأرض وتُنظَّف للزراعة.

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(9/315): بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا.

 وَعلَّق عليه شيخ الإسلام، وقال: هَذَا مَثَلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لَيِّنًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ سَهْلًا يَسِيرًا وَرَسَخَ الْعِلْمُ فِيهِ وَثَبَتَ وَأَثَّرَ، وَإِنْ كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ صَعْبًا عَسِيرًا. وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَكِيًّا صَافِيًا سَلِيمًا حَتَّى يَزْكُوَ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُثْمِرَ ثَمَرًا طَيِّبًا، وَإِلَّا فَلَوْ قَبِلَ الْعِلْمَ وَكَانَ فِيهِ كَدَرٌ وَخَبَثٌ أَفْسَدَ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَكَانَ كَالدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ، إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْحَبَّ مِنْ أَنْ يَنْبُتَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَزْكُوَ وَيَطِيبَ، وَهَذَا بَيِّنٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ. اه.

وأمراض القلوب من أسباب ضيق الصدر وانشغاله بالأمور التافهة

قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد»(2/23): مِنْ أَعْظَمِ أسباب انشراح الصدر: إِخْرَاجُ دَغَلِ الْقَلْبِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي تُوجِبُ ضِيقَهُ وَعَذَابَهُ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُصُولِ الْبُرْءِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَتَى الْأَسْبَابَ الَّتِي تَشْرَحُ صَدْرَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمَذْمُومَةَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَحْظَ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِطَائِلٍ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَادَّتَانِ تَعْتَوِرَانِ عَلَى قَلْبِهِ، وَهُوَ لِلْمَادَّةِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أمراض الباطن:

الحسد

الحسد تمني زوال النعمة عن الغير.

والحسد من صفات اليهود والنصارى، قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109].

والنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ينهى عن الحسد ويقول: «لَا تَحَاسَدُوا» كما في «صحيح مسلم» (2564) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

والحسد من أسباب رد الحق وعدم الإذعان له، فهذا إبليس حسد أبانا آدم عليه السلام لما ظهر فضلُه وأُمِر الملائكة بالسجود له فعندئذ رفض حسدًا وكبرًا، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) [البقرة: 34].

وهكذا حسد إخوة يوسف أخوهم يوسف بسبب محبة أبيه له أكثر منهم فتآمروا عليه بالبغي والعدوان، بما قصه الله عز وجل عنهم في كتابه الكريم في سوره يوسف.

وقال سبحانه في شأن ابني آدم اللذين قربا قربانًا: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) [المائدة: 27].

خُلُق الحسد من الأخلاق السيئة المنكرة القبيحة، وفيه مفاسد كثيرة:

·   التشبه باليهود والنصارى كما تقدم في  آية سورة البقرة.

·   من علامة ضعف الإيمان بالقدر.

·    فيه اعتراض على قدر الله عز وجل يقول الشاعر:

أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا...أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْتَ الْأَدَبْ

أَسَأْتَ عَلَى اللهِ فِي فِعْلِهِ...إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ

فجازاك عني بأن زادني...وسد عليك وجوه الطلب

·   شُغْل النفس بأمرٍ يضر ولا ينفع، فهو في غمٍّ وهمٍّ وقلق وضيق صدر، وربما لا يأتيه النوم، لماذا أنعم الله على فلان كذا بالعلم أو بالرفعة أو بالولد أو بالمال: ولهذا يقول بعضهم:

لله در الحسد ما أعدله...بدا بصاحبه فقتله

وقال آخر

اصبر على كيد الحسو...د فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها...إن لم تجد ما تأكله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الرياء

(والرياء) أن يعمل العمل ليحمده الناس عليه.

روى الإمام مسلم (2985) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».

والرياء من أسباب الخزي والفضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»رواه البخاري (6499 ومسلم (2987) عن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(سَمَّعَ) هذا خاص بحاسة السمع. والرياء يتعلق بحاسة البصر، من الرؤية، الجزاء من جنس العمل «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» يُفضَحُ يوم القيامة عقوبة له.

 والرياء يدل على الجهل بعظمة الله سبحانه، فلو كان يعظِّمُ الله ما وقع في الرياء، قال ابن رجب رحمه الله في «رسالته الإخلاص» كما في «مجموع رسائله»(3/66): ما ينظر المرائي إِلَى الخلق في عمله إلا لجهله بعظمة الخالق. اهـ.

وعلى المؤمن أن يكون مؤمنًا بالقدر ليعينَه على تحقيق الإخلاص، ذكر والدي الشيخ مقبل رحمه الله في «مقدمة الجامع الصحيح في القدر» من ثمرات الإيمان بالقدر: الإخلاص، قال رحمه الله: فالذي يؤمن بالقدر لا يعمل العمل من أجل الناس، لأنه يعلم أنهم لا يستطيعون أن ينفعوه بشيء لم يقدره الله، ولا يستطيعون أن يضروه بشيء لم يقدره الله عليه. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العُجب

 (والعُجْب) بالضَّمِّ: الزَّهْوُ والكِبْرُ. «القاموس المحيط». يعني يُعجب بعلمه أو بذكائه أو بفهمه أو بمكانته ومنصبه...

والعجب مهلكة ومذلة، روى الإمام مسلم (2621) عَنْ جُنْدَبٍ بن عبد الله، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَك».

(وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) يحتمل أنه على العموم أي: أحبط الله جميع عمله، ويحتمل أن المراد أحبط الله عمله الذي أعجب به.

وروى ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/292) عن الفُضَيْل بن عياض يَقُولُ: آفة العلم النسيان، وآفة العزِّ العجب.

والعُجْب من مضاره أنه يجر إلى الكبر والتعالي واحتقار الناس، وقد يكون سببه دسيسة في النية.

العجب ممحقة لبركة العلم

الْعِلْمُ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ...وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهْبُ

وهناك قصة للكسائي في «تاريخ بغداد» (13/345) ترجمة الكسائي، قَالَ الكسائي: صليت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطت فِي آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

فقلت: لعلهم يرجعين.

قَالَ: فوالله ما اجترأ هارون أن يَقُولَ لي أخطأت، ولكنه لما سلمت، قَالَ لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا فنعم!. اهـ.

·   وعلى العبد أن يعالج نفسَه فيتذكر دائمًا أن هذا فضلٌ من الله سبحانه وتعالى، وأن هذا الرزق وهذا الخير الذي عنده فضل من الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) ﴾[النور: 21].

·   وأن الله قادرٌ أن يسلُبَ هذه النعمة منه.

·   وأن هناكَ من هو أعلى وأرفع منه.

قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» (295): والعَجَبُ كلَّ العجب ممن يرى نفسه! أتراه بماذا رآها؟ ! إن كان بالعلم؛ فقد سبقه العلماء، وإن كان بالتعبُّد، فقد سبقه العُبَّاد، أو بالمال، فإن المال لا يوجب بنفسه فضيلة دينية. اه.

وقد عدو العُجْبَ من علامات الأحمق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

احتقار غيره وإن كان دونه

وهذا هو الكبر.

(وإن كان دونه) أي: أنزل منه في العلم مثلًا، أو في النسب والحسَب، أو في الجاه والمنصب، وغير ذلك.

كاحتقار المعلم تلميذه أو الضعيف أو الوضيع أو غير ذلك. هذا من عظائم الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رواه مسلم (2564) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ» أي: يكفيه من الشر احتقار أخيه المسلم، وهذا هو الكبر الذي حذر منه الشرع يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» رواه مسلم (91) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 والكبر آفة من آفات العلم، ومن أسباب نزْعِ بركة العلم قال سبحانه: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)﴾[الأعراف: 146].

ويقول الشاعر:

العِلم حربٌ للفتى المتعالِي...كالسَّيل حرب للمكانِ العالي

وأخرج الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1655)من طريق عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ: «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَعَمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ».

فالعلم لا يمكن أن يُعطي المتعالي، وبالتواضع للعلم يدرك العلم.

والكبر من علامة ضعف الإيمان بالقدر، الإيمان بالقدر يحمل على التواضع، وقد ذكر هذا والدي الشيخ مقبل رحمه الله في «مقدمة الجامع الصحيح في القدر» أن من ثمار الإيمان بالقدر: التواضع، فإذا رفعه الله بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فهو يعلم أن هذا من عند الله ولو شاء الله لانتزعه منه إنه على كل شيء قدير. اهـ.

وكان والِدِي رحمه الله أحيانًا يقدِّمُ نصيحة إذا مرَّ بنا في الإسناد بعض المختلطين: كأبي بكر بنِ أبي مريمَ وأمثالِهِ من المُختلِطين، ويحث المستمعين من طلاب ومعلمين على التواضع ويحذرهم من الكبر والعُجب ويقول: في المُختلطينَ عِبْرَةٌ للمعتبِرِينَ، بالأمس في زمرة المحدثينَ، واليومَ في زُمرة المجانينَ.

وسمعت والدي رحمه الله يقول: المتكبِّر مبغوض عند الناس، حتى ولو كان يكيل لهم الذهب بالزنبيل كيلًا. اهـ.

الكبر من علامات الشقاوة، كما ذكر هذا قال ابن القيم رحمه الله في «الفوائد» (155).