جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 6 أكتوبر 2019

(70)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ





 [سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]

﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90)﴾.

﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾ أَيْ لَا وَلَدَ لِي وَلَا وَارِثَ يَقُومُ بَعْدِي فِي النَّاسِ وكما في تفسير ابن كثير.وهذا يفيد أن المراد بالوراثة هنا وراثة النبوة والعلم كما قال تعالى:﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) ﴾[مريم] .

وفي المسألة حديث عائشة عند البخاري (6727)،ومسلم (1759) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».

 هذا من أصرح وأوضح الأدلة على أن الأنبياء لا يُورثون المال.

﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ﴾ دُعَاءٌ وَثَنَاءٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَسْأَلَةِ.كما قال ابن كثير.

﴿وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ﴾ كَانَتْ عَاقِرًا لَا تَلِدُ فَوَلَدَتْ. هذا قول أكثر المفسرين كما في تفسير هذه الآية من تفسير القرطبي واستظهره ابن كثير.

﴿زَوْجَهُ﴾هذه اللغة الفصحى (زوج) بدون تاء . قال الله تعالى لأبينا آدم:﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ..(35)﴾[البقرة:35]،وبإثبات التاء (زوجة)هذا أيضًا لغة،ومن ذلك قول عمار بن ياسر في شأن خروج عائشة في وقعة الجمل:«إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ»رواه البخاري(7100) ،وكلا اللغتين من لغات العرب، لكن اللغة الفصحى زوج.

﴿إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ﴾ أَيْ فِي عَمَلِ الْقُرُبَاتِ وَفِعْلِ الطَّاعَاتِ.

﴿ وَيَدْعُونَنا رَغَبًا ﴾«طمعًا فيما عند الله من الثواب والنعيم» ﴿وَرَهَبًا﴾«أي خوفًا من عقاب الله وعذابه»

﴿وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ﴾قيل: مُصَدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وقيل: مُؤْمِنِينَ حَقًّا.وقيل: خَائِفِينَ. وقيل: مُتَوَاضِعِينَ وكلها معني متقاربة.كما قال ابن كثير.



vفوائد وعِبر من مجموع قصة زكريا عليه السلام:

1.       أهمية الدعاء في قضاء الحوائج وهذا هدي الأنبياء وسيرتهم ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾[الأنعام:90].

 فالإنسان يدعو ربه وهو في خير وفي عبادةٍ لله وخضوع واستكانة ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60]

2.       إخفاء الدعاء كما في قوله ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)﴾[مريم:3]أي سرًّا وليس جهرًا وعلانية، قال بعض المفسرين:إنما دعا خفية لئلا ينسبه قومه إلى الجهل والحماقة،لأن هذا الطلب خلاف المعتاد. والصحيح أنه يفيد استحباب إخفاء الدعاء كما رجحه الشنقيطي رحمه الله في« أضواء البيان»،وقال:وَثَنَاؤُهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَيْهِ بِكَوْنِ دُعَائِهِ خَفِيًّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِخْفَاءَ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ وَإِعْلَانِهِ،وَإِنَّمَا كَانَ الْإِخْفَاءُ أَفْضَلَ مِنَ الْإِظْهَارِ ،لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ، وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ. اهـ.

3.       فيه الدعاء بالذرية الطيبة ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)﴾[آل عمران:38] فينبغي لمن دعا  أن يقيد طلب الذرية بالصلاح والطيب.

4.       وفيه البِشارة بالولد كما قال تعالى:يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسنه يحيى،وقال تعالى في قصة نبيه إبراهيم:﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) ﴾[الصافات:101] وقال سبحانه:﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)﴾[الذاريات]،وهكذا البشارة بالخير في الأمور الأخرى مستحبة، ولذلك لما تاب الله على كعب بن مالك وصاحبيه أقبل إليهم الناس مسرعين ليبشروهم بتوبة الله عز وجل عليهم.

5.       وفيه أن الإنسان يدعو ولا ييأس من رحمة الله عز وجل فزكريا عليه الصلاة والسلام بعد ما كبر في السن  ووصل إلى مرحلة كِبر السن التي لا يمكن إصلاحها ومداوتها، وكانت امرأته عاقرًا ،ومع ذلك دعا الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الولد.

6.       وفيه كرامة لزكريا عليه السلام في استجابة الله عز وجل دعاءَه له فقد رزقه يحيى نبيًا كريما.

7.       أن زكريا عليه الصلاة والسلام كان مجابَ الدعوة كما يفيد قوله: ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)﴾[مريم].

8.       وفيه أن إجابة الدعاء سعادة. قال الشنقيطي في «أضواء البيان» في تفسير قوله تعالى﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)﴾:..وَلَا شَكَّ أَنَّ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ مِنَ السَّعَادَةِ، فَيَكُونُ عَدَمُ إِجَابَتِهِ مِنَ الشَّقَاءِ. اهـ.

9.       أن سرعة إجابة الدعاء تكون للمتصفين بهذه الصفات المذكورة في قوله تعالى ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾.

10.   وفي قول زكريا :﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)﴾الآيات دليل على أن الذي يدعو ربه يُظهر ضعفه وعجزه ،وهذا من أسباب استجابة الدعاء .

11.   وفيه الثناء على الله في الدعاء وأن البقاء الدائم لله سبحانه،وغيره سبحانه إلى الزوال والفناء.

12.    وفيه كمالُ قدرة الله عز وجل.فقد رزق الله تعالى زكريا ولدًا على كبر سنه،وكانت امرأته عاقرًا لا تلد.

13.   فيه التأسي بهذه الأسرة الصالحة الطيبة والاقتداء بهم في المسارعة في الخير والإكثار من الأعمال الصالحة والخشوع.

14.   وفيه الفرج بعد الشدة.