جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 28 سبتمبر 2019

(13)تربيةُ الأَولَادِ


                    صلاح الولد بصلاح أبيه



من إكرام الله للرجل الصالح أنه يصلح ولده وأحفاده وأسرته ويحفظهم له حيًّا وميتا،تفضُّلٌ منه وإحسان،فاحرصوا أيها الآباء والأمهات على صلاح أنفسكم ليسهل لكم تربية أولادكم،ولتكون أسركم أُسرًا صالحة مستقيمة.

قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)﴾[النساء: 9].

وقال سبحانه:﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الكهف: 82].

وروى البغوي في «زوائد الجعديات» (1686)عن ابن المنكدر، قال يصلح الله عز وجل بصلاح الرجل ولده وولد ولده وأهل دُويرته ودُوَيرات حولهم فما يزالون في ستر الله عز وجل وحفظه.وسنده صحيح.

ويقول الشاعر:

رَأَيْتُ صَلاحَ الْمَرْءِ يُصْلحُ أَهْلَهُ ... وَيُعْدِيْهِمُ داءُ الْفَسَادِ إِذَا فَسَدْ

وَيشْرُفُ فِيْ الدُّنْيَا بِفَضْلِ صلاحِهِ ... وُيحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِيْ الأَهْلِ وَالْوَلَدْ

وفي قول الشاعر:(ويعديهم)

 إشارة إلى أنه كما يحفظ بصلاحه في ولده، ويصلح الولد بصلاحه، كذلك يفسد الولد، ويضيع بفساده.كذا في«حسن التنبه لما ورد في التشبه»(2/427)للغزِّي.

ولله الحكمة فقد يتخلَّف هذا فيكون الأب  صالحًا وولده شريرٌ مفسد.

قال تعالى في شأن ولد نبي الله نوح:﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)[هود]،فلم ينتفع ولد نوح بصلاح أبيه ومقامه الرفيع.

وقد يكون الرجل صالحًا وامرأته غير صالحة .قال تعالى:﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)﴾[التحريم].

فلم تنتفع هاتان المرأتان بصلاح زوجيهما،بل كانتا مع الخاسرين.

قال الغَزِّي في«حسن التنبه لما ورد في التشبه»(2/428): قد لا يُكرَم بعضُ الصالحين بهذه الكرامة إشارة إلى أنه لا يجب على الله تعالى شيء، وأنه سبحانه وتعالى له الاختيار فيما يتفضل به على عباده، وأنه سبحانه وتعالى هو الفاعل الحقيقي المتفضل بحفظ الولد وإصلاحه، وليس لصلاح أبيه تأثير في الحقيقة، وإنما جعل الله تعالى صلاحه سببًا لتوفيق ولده في الغالب، وقد لا يجعله سببًا لذلك ليسلم الصالحون من الشرك الحاصل باعتقاد تأثير صلاحهم في توفيق أولادهم وأهليهم، ولئلَّا يتكلوا في إصلاح أولادهم على صلاح أنفسهم، فيتركوهم من التأديب والتعليم، أو يتكل الأولاد على صلاح آبائهم، ويتوانوا عن الجِد والاجتهاد في التعلم والتأدب، ولِيعلَم الصالحون وأولادهم وأهلوهم أن الخير الواصل إلى الأولاد والأهلين إنما موصله إليهم على الحقيقة هو الله تعالى.اهـ المراد


وقد يكون ابتلاء واختبارًا للأبوين الصالحين.كما قال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: " أَرْبَعَةٌ لَا يُؤْنَسُ مِنْهُمْ رُشْدًا: حَارِسُ الدَّرْبِ وَمُنَادِي الْقَاضِي، وَابْنُ الْمُحَدِّثِ، وَرَجُلٌ يَكْتُبُ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ "رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث(9)،ومن طريقه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»( 1685). 

كما أنه قد يأتيَ الصالح من أصلٍ مفسد.

روى البخاري  (3231 )ومسلم  (1795) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ :«لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا »  .

ونبي الله وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبوه آزر كافر.

وما أحسن قول الشاعر:

إذَا طابَ أَصْلُ الْمَرْءِ طابَتْ فُرُوْعُهُ .. وَمِنْ عَجَبٍ جاءَتْ يَدُ الشَّوْكِ بِالْوَرْدِ

وَقَدْ يَخْبُثُ الْفَرْعُ الَّذِيْ طابَ أَصْلُهُ .. لِيَظْهَرَ صُنعُ اللهِ فِيْ الْعَكْسِ وَالطَّرْدِ  

وقد قال تعالى:﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾[الروم: 19].والله المستعان.