جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 1 يوليو 2019

(61)الإجابةُ عن الأسئلةِ




تسأل وتقول:نجد إشكالًا  في قوله تعالى:﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا  وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام 164].

مع إثبات حمل وزر الغير في قوله تعالى:﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)﴾[العنكبوت].

وفي الحديث الذي رواه مسلم(2674)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»فما هو توجيه ذلك؟



الجواب

 الأدلة تقضي أنه لا يحمل أحدٌ وزر أحد.

وفي هذا المعنى  الحديث الذي رواه أبوداود(4495)عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَبِي: «ابْنُكَ هَذَا؟» قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: «حَقًّا؟» قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهِي فِي أَبِي، وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ»، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].


 وأما ما جاء في الدلِيلَين السابِقين في السؤال فقد أجاب عن ذلك ابن القيم رحمه الله في«مفتاح دار السعادة»(1/62)،وقال:

 أخبر أن المتسبب إلى الْهدى بدعوته لَهُ مثل أجْرِ من اهْتَدَى بِهِ.


 والمتسبب إلى الضَّلَالَة بدعوته عَلَيْهِ مثل إِثْم من ضل بِهِ، لأن هَذَا بذل قدرته فِي هِدَايَة النَّاس، وَهَذَا بذل قدرته فِي ضلالتهم ،فَنزل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة الْفَاعِل التَّام، وَهَذِه قَاعِدَة الشَّرِيعَة كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع قَالَ تَعَالَى:﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)﴾[النحل] وَقَالَ تَعَالَى:﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ (13)﴾[العنكبوت].


وَهَذَا يدل على أن من دَعَا الأمة إِلَى غير سنة رَسُول الله فهو عدوه حَقًا ،لأنه قطع وُصُول أجْرِ من اهْتَدَى بسنته اليه ،وَهَذَا من أعظم معاداته نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان.اهـ


وقال الشنقيطيُّ رحمه الله في أضواء البيان في تفسير سورة العنكبوت:

فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَحَمُّلِهِمْ بَعْضَ أَوْزَارِ غَيْرِهِمُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ رُؤَسَاءَ الضَّلَالِ وَقَادَتَهُ تَحَمَّلُوا وِزْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وِزْرُ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ.

وَالثَّانِي: وِزْرُ إِضْلَالِهِمْ غَيْرَهُمْ ; لِأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.

وَإِنَّمَا أُخِذَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَنَّهُ وَتَسَبَّبَ فِيهِ، فَعُوقِبَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ; لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَصَارَ غَيْرَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ الْآيَةَ اهـ.

وبهذا يزول الإشكال أنه لا يحمل أحدٌ ذنب أحد وأن هؤلاء الذين ذكرالله أنهم تحمَّلوا أوزار غيرهم  لأنهم(ضلُّوا وأضلُّوا) سعوا بالضلال ودعوا إلى الشرك وإلى البدع وإلى الفتن  فتحمَّلوا آثام غيرهم لكونهم السبب في فعلها .

وفي هذا تخويف لدعاة السوء والضلال فالإنسان يكفيه تحمُّل ذنوبه فكيف يحمل وزرَ غيره.