جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 19 يوليو 2019

(1)مُلَخَّص في الحج


                     

                بسم الله الرحمن الرحيم

سبحان الله رب العباد لما انقضى شهر الصيام (أقبلت الأشهر الثلاثة أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

 فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا والله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات،فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه،وهو راج خائف المحب لا يمل من التقرب بالنوافل إلى مولاه ،ولا يأمل إلا قربه ورضاه)ما بين القوسين من«لطائف المعارف»(223).


حكم تعلم أحكام الحج

يجب على كلِّ من أراد أن يحج وجوبًا عينيًّا أن يتعلم كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:طلب العلم فريضة على كل مسلم.

ولقول الله سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}[الأحزاب].

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رواه الإمام مسلم (1297).

ولهذا في حديث حجة الوداع  عن جابر بن عبدالله«فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ..»رواه مسلم.

والحاج يكون شديدَ الحرص على أن يحج حجًّا تامًّا،كامل الأجر،مبرورًا،وهذا لا يكون إلا  بعلمٍ وفقهٍ وبصيرة.


تعريف الحج

الحج لغةً:القصد.

وشرعًا:القصد إلى بيت الله الحرام لأعمالٍ مخصوصة في زمن مخصوص.


حكم الحج

الحج فرضه الله في العمر مرة واحدة.

قال الله تعالى:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)﴾[آل عمران].

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "رواه البخاري(8)،ومسلم (16).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ "رواه مسلم(1337).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ»،قَالَ: فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَإِنَّهُمَا كَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ إِذْ سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

رواه أحمد(44/332)،وأبويعلى(7154)،وله شواهد وقد ذكره الشيخ في«السلسلة الصحيحة»( 2401).

قال البيهقي في «الكبرى»(4/535): فِي حَجِّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا بَيَّنَ وُجُوبَهُ عَلَى الرِّجَالِ مَرَّةً لَا الْمَنْعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَاللهُ أَعْلَمُ.اهـ

ولا يجب الحج في العمر أكثر من مرة إلا من نذر أن يحج لله فإنه يلزمه الوفاء بنذره لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«من نذر أن يطيع الله فليطعه».


الحج على الفور عند توفُّر شروط وجوب الحج

قد دلت الأدلة على أن الحج على الفور عند توفُّر شروط وجوب الحج قال الله تعالى:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)﴾[آل عمران].

ويدل له الأمر في حديث«أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا».

قال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(7/13): الأصل في الأمر أن يكون على الفور، ولهذا غضب النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الحديبية حين أمرهم بالإحلال وتباطؤوا.اهـ

وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ومالك.وهو قول والدي.

وعند الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي إِلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى حَالٍ يُظَنُّ فَوَاتُهُ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهَا[شرح صحيح مسلم8/72].

ومن حجة هذا القول الثاني ما يأتي أن فرض الحج كان سنة ست،ولم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا في السنة العاشرة.


من الاستطاعة في الحج

الزاد.

الراحلة والمراد المركوب.

وجود المحرم للمرأة إذا كانت المسافة مسافة سفر،فإذا لم يكن هناك محرم للمرأة فهي غير مستطيعة،وهذا من حرص الإسلام على صيانة المرأة ورعايتها وإبعادها عن الفساد.


السَّنَةُ التي فُرِض فيها الحج

فيه خلاف بين أهل العلم،نقتصر على قولين مشهورين:

أحدهما:فُرِض الحج سنة تسعٍ ولهذا بادر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الحج السنة العاشرة.

وهذا قول جمهور العلماء.وانتصر له ابن القيم في «زاد المعاد»،وهو قول الشيخ الألباني كما في «حاشية حجة الرسول»(43)وزاد أو عشر-يعني التاسعة أو العاشرة-،والشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(7/14)، والشيخ صالح الفوزان في «الملخص الفقهي»(1/398).

الثاني:فُرِض الحج سنة ستٍّ  يوم الحديبية لقوله تعالى:﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾[البقرة: 196].

وقد ثبت بالسنة أن هذه الآية نزلت في الحديبية.

روى البخاري(4191)،ومسلم (1201) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَنَا المُشْرِكُونَ، قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].

وعلى هذا القول يأتي إشكال عند من يقول به ويقول الحج على الفور لأنه كيف يكون على الفور والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة؟

وقد أُجيب عن هذا بأجوبة:

أن مكة كانت بيد الكفار إذ لم يتمَّ فتحُها إلا في السنة الثامنة.

أنه في السنة التاسعة كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مشغولًا باستقبال الوفود من القبائل وبلدان شتى لتعليمهم أمور دينهم.

 وأيضًا لأجل تطهير البيت من المشركين وضلالات الجاهلية، فقد أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أبا بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنه في أواخر السنة التاسعة وأمره أن ينادي:«لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»رواه البخاري (369) ،ومسلم (1347).