حكم
الصوم في السفر تطوعًا
عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«لَا يُفْطِرُ أيام الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ ذكره
الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (580) وحسَّن إسناده.
دل الحديث على استحباب صيام البيض في
السفر والحضر.
ويدل
للصوم في السفر حديث عَائِشَةَ «أَنَّ
حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إن
شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» رواه البخاري ومسلم.
قال
الشوكاني في «نيل الأوطار»(4/621) في شرح حديث ابن عباس المذكور: وَيَلْحَقُ بِهَا صَوْمُ سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ
الْمُرَغَّبِ فِيهَا.
والسفر
فيه مشاق ومتاعب، فيحصل شغلٌ وتقصير ونقصٌ
كبير، ولهذا جاء التيسير والرخص للمسافر في
أُمورٍ كثيرةٍ.
قال
ابن القيم في «إعلام الموقعين»(3/359): لا ريبَ أن الفِطْرَ والقصر يختص بالمسافر، ولا يُفطر المقيم إلا لمرض، وهذا من كمال حكمة الشارع، فإن
السفر في نفسه قطعة من العَذَاب، وهو في نفسه
مشقةٌ وجهد، ولو كان المسافر من أرْفَه الناس
فإنه في مشقة وجهد بحسبه، فكان من رحمة اللَّه بعباده وبِرِّه بهم أن خفَّف
عنهم شطر الصلاة واكتفى منهم بالشَّطْر، وخفف
عنهم أداء فرض الصوم في السفر، واكتفى منهم
بأدائِه في الحَضَر، كما شرع مثل ذلك في حق
المريض والحائض، فلم يُفوِّت عليهم مصلحة
العبادة بإسقاطها في السفر جملة، ولم يلزمهم
بها في السفر كإلزامهم في الحضر. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم
التنفل بعد صلاة الوتر
عَنْ
ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: «إِنَّ السَّفَرَ جَهْدٌ وَثُقْلٌ، فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَإِلَّا
كَانَتَا لَهُ» رواه
الدارمي في «سننه» (1635)، والدارقطني في «سننه» (1681) واللفظ له والحديث
حسن.
قال
البيهقي في «السنن الكبرى»(4825) في معنى
هذا الحديث: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِهِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يُوتِرَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْوِتْرِ.
اهـ.
قلت: والاحتمال الأول جزم به الدارمي في «سننه» (1635)، والدارقطني في «سننه» (1681) حيث
بوبا على هذا الحديث: بَابٌ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ. والشيخ الألباني
في «السلسلة الصحيحة»
(1993)، ووالدي في تبويبه في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (1069) فقد
قال: جواز التنفل بعد الوتر في بعض الأحيان.
فنكون استفدنا: جواز التنفل بعد صلاة الوتر أحيانًا
وعدم نقض الوتر لمن أراد أن يتنفل بعد الوتر. فلا يعارض قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» لأن هذا يكون أحيانًا.
ويدل
له أيضًا حديث عائشة الذي رواه مسلم (746) في صفة قيام الليل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ.
(بَعْدَ
مَا يُسَلِّمُ) أي:
يسلم من الوتر.
وأما
حمل الحديث على ركعتي الفجر فبعيد جدًّا.
وأما
الاحتمال الثاني الذي ذكره البيهقي وهو حمْلُ الحديث على أنه إذا أراد أن يوتر
فليركع ركعتين قبل الوتر فالمراد لا يتساهل المسافر ويقتصر على الوتر بركعة.
وللفائدة
يراجع «زاد المعاد»(1/322)لابن القيم.
ومن
كرمِ الله وفضله وسعة رحمته أنه إذا حصل للمسافر قصور في النوافل وكان يعملها في
إقامته كقيام الليل أو صلاة الضحى أو كان يصوم
الاثنين والخميس إلى غير ذلك فإنه يكتبُ له
أجر ما كان يعمله في إقامته. قال البخاري «بَابُ يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ
يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ» ثم أخرج برقم (2996) عن أَبي مُوسَى الأشعري: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا
مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا
صَحِيحًا».
وهذا
الحديث فيه حثٌّ للعبد المسلم أن يغتنم صحته ومحلَّ إقامته بالطاعة والعبادة لأنه
إذا جاءه عائق مرض أو سفر كُتِبَ له ما كان يعمل في صحته وفي محلِّ إقامته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم
صوم الغازي
عَنْ أبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا أَبَا دَاوُد.
الغازي:
هو المجاهد في سبيل الله.والغالب أن المجاهد يكون في سفر.
واختلف
أهل العلم في المراد بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«مَن صَامَ يَومًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
فمنهم
من قال: المراد في سبيل الله الجهاد. وعليه يدل تبويب البخاري فقد أخرج هذا الحديث في
كتاب الجهاد (2840)
تحت باب: «فضل الصوم في سبيل الله». والترمذي في «سننه»(1622).
وقال
النووي في شرح هذا الحديث من «شرح صحيح مسلم»: فِيهِ فَضِيلَةُ الصِّيَامِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ
وَلَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ قِتَالُهُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ
مُهِمَّاتِ غَزْوِهِ وَمَعْنَاهُ الْمُبَاعَدَةُ عَنِ النَّارِ وَالْمُعَافَاةُ
مِنْهَ. اهـ.
وقال
ابن الجوزي في «كشف المشكل»(3/153): إِذا أطلق ذكر سَبِيل الله كَانَ الْمشَار بِهِ
إِلَى الْجِهَاد. اهـ.
وقال
ابن دقيق العيد في «شرح عمدة الأحكام»(2/37): الْعُرْفُ الْأَكْثَرُ فِيهِ: اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَيْهِ:
كَانَتْ الْفَضِيلَةُ لِاجْتِمَاعِ الْعِبَادَتَيْنِ-أَعْنِي عِبَادَةَ الصَّوْمِ وَالْجِهَادِ-وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ: طَاعَتُهُ كَيْفَ كَانَتْ.
اهـ.
قلت: ومن إطلاق في سبيل الله على الغزو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)﴾[البقرة]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)﴾ [البقرة]، و
ومنهم
من قال: المراد يبتغي بذلك وجه الله.
وهذا
قول القرطبي في «المفهم» (3/217) قال رحمه الله: أي: في طاعة الله، يعني
بذلك: قاصدًا به وجه الله تعالى. اهـ.
وقول
الشيخ ابن باز في «الإفهام في شرح عمدة
الأحكام» (429).وعلى
هذا يشمل الصوم في الجهاد وفي غيره.
ومما
يدل على هذا العموم أنه قد جاء النص أن الحج في سبيل الله.
روى الدولابي في «الكنى والأسماء» (249) عن أَبِي طَلِيقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ امْرَأَتَهَ أُمَّ طَلِيقٍ أَتَتْهُ
فَقَالَتْ لَهُ: حَضَرَ الْحَجُّ يَا أَبَا
طَلِيقٍ، وَكَانَ لَهُ جَمَلٌ وَنَاقَةٌ
يَحُجُّ عَلَى النَّاقَةِ وَيَغْزُو عَلَى الْجَمَلِ.
فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُعْطِيَهَا الْجَمَلَ تَحُجُّ عَلَيْهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي حَبَسْتُهُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ؟ قَالَتْ:
إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ فَأَعْطِنِيهِ يَرْحَمْكَ اللَّهُ. قَالَ: مَا
أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكِ. قَالَتْ: فَأَعْطِنِي نَاقَتَكَ وَحُجَّ أَنْتَ عَلَى
الْجَمَلِ. قَالَ:
لَا أُوثِرُكِ بِهَا عَلَى نَفْسِي. قَالَتْ: فَأَعْطِنِي مِنْ نَفَقَتِكَ، قَالَ: مَا
عِنْدِي فَضْلٌ عَنِّي وَعَنْ عِيَالِي مَا أَخْرُجُ بِهِ وَمَا أَنْزِلُ لَكُمْ، قَالَتْ: إِنَّكَ
لَوْ أَعْطَيْتَنِي أَخْلَفَكَهَا اللَّهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَبِيتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: فَإِذَا أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ بِالَّذِي قُلْتُ
لَكَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرَأْتُهُ مِنْهَا
السَّلَامَ وَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَتْ أُمُّ طَلِيقٍ قَالَ: «صَدَقَتْ أُمُّ طَلِيقٍ لَوْ أَعْطَيْتَهَا
الْجَمَلَ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا نَاقَتَكَ كَانَتْ
وَكُنْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا مِنْ نَفَقَتِكَ
أَخْلَفَكَهَا اللَّهُ». قَالَ: وَإِنَّهَا تَسْأَلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
يَعْدِلُ الْحَجَّ؟ قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ»
وهو في «الصحيح المسند » (2ص285) والدي الشيخ مقبل رحمه الله تعالى.