جديد الرسائل

الخميس، 20 يونيو 2019

(22)اختصار الدرس الثامن عشر من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




                                                        شهر الله المحرم

هذا الشهر يقال له شهر الله المحرم، كما جاء في الحديث «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أي: الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ أفضل؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ».

وفي إضافته إلى الله عز وجل دليل على فضله ومزيته.

والمضاف إلى الله نوعان:

·         أحدهما: إضافة أعيان مثل: شهر الله، بيت الله، ناقة الله.. وهذا من إضافة المخلوق إلى الخالق، ويفيد التشريف.

·         الثاني: إضافة صفات لا تقوم بنفسِها، مثل: علم الله، قدرة الله، كلام الله، يد الله. وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف وهو الله عز وجل.

وشهر الله المحرم من الأشهر الحُرُم الأربعة وهي: ذو القَعدة، وذو الحِجة، ومحرم، ورجب.

وهو أول شهور العام الهجري.

وصيام شهر الله المحرم ثبت في استحباب صيامه حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أي: الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ أفضل؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ».

وهذا الحديث  ظاهره أن أفضل صيام التطوع من الشهور شهر الله المحرم، وهذا قول جمهور العلماء.

 ومن أهل العلم من قال: أفضل صيام التطوع من الشهور شعبان، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أكثر ما يصوم في شعبان. روى البخاري (1969 ومسلم (1156) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْفَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»، وفي لفظٍ لمسلم (1156) «كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».

وقد ذهب إلى أن صيام شعبان أفضل من صيام محرم ابنُ رجب في «لطائف المعارف» (129).

ويُشكِل على من قال: صيام شهر الله المحرم أفضل من صيام شعبان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنقل عنه أنه صامَ المحرم، فالذي ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم أكثر شعبان، وقد أجاب عن ذلك النووي في «شرح صحيح مسلم» (8/37) وقال: لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ.

والمراد مما تقدم من صيام شعبان وشهر الله المحرم الأغلب وليس كل الشهر بدليل حديث عائشة رضي الله عنها: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».

وروى الإمام مسلم (746) عن عائشة رضي الله عنها قالت: وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ.

وليس لأحدٍ أن يصل شعبان برمضان في صيام التطوع إلا من كان له عادة صيام .

لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَلا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ» رواه البخاري (1914 ومسلم (1082) الشاهد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومين إلا من كان يصوم صومًا فليصمه.

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (8/37): قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يستكمل غير رمضان لئلا يُظَن وجوبُه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحكمة في إكثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صوم شعبان

اختلفوا في ذلكَ على أقوال:

·     أنه يغفل فيه الناس عن الصيام وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ

عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي في «سننه» (2357 وأحمد(36/85 وحسَّنه الألباني في «تمام المنة»(412).

في هذا الحديث بيان الحكمة من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صيام شهر شعبان وأنه يغفل فيه الناس عن الصوم وأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، كما أن يوم الاثنين والخميس ترفع فيهما الأعمال.

قال ابن رجب في «لطائف المعارف»(130)معلِّقًا على عبارة «شهرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ»: يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولًا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك. اهـ.

·     كان يصومه لتعظيم رمضان

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رمَضَانَ، قِيلَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ». رواه الترمذي (663). وسنده ضعيف فيه صدقة بن موسى الدقيقي وهو ضعيف.

وقد ضعَّف الحديث الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «إرواء الغليل» (3/397).

قال ابن حجر في «فتح الباري» (1969): وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ. اهـ.

·     قيل: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل عن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر لسفر، أو غيره، فتجتمع، فيقضيها في شعبان، أشار إلى ذلك ابن بطّال. وقد ورد فيه حديثٌ رواه الطبراني في «المعجم الأوسط»(2098) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرُبَّمَا أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ صَوْمُ السَّنَةِ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهُ حَتَّى يَصُومَ شَعْبَانَ». وهذا حديث ضعيف،فيه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وهو ضعيف عند المحدثين لسوءِ حفظه.

·     قيل: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

·     أنه تُنْسَخُ فيه الآجال

عن عائشة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَيْكَ أَنْ تَصُومَهُ شَعْبَانُ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ، فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي أَجَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». رواه أبو يعلى(4911).

وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وتلميذه سويد بن سعيد الهروي وهما ضعيفان.

وذكر الحديث الشيخ الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»(5086 وقال: منكر.

وقيل غير ذلك.

والأَولى في ذلك كما قال الحافظ في «فتح الباري»(1970): هو ما جاء في حديث أسامة بن زيد «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فائدة: المراد برفع الأعمال في شهر شعبان

قال السندي في «حاشية سنن النسائي»(4/201) عن حديث أسامة «وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»: قيل مَا مَعْنَى هَذَا مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ»؟

قُلْتُ: يُحْتَمل أَمْرَانِ:

·       أَحَدُهُمَا: أنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ، فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ، وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يُطْلِعُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ يَسْتَأْثِرُ بِهَا عِنْدَهُ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ.

·        ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُعْرَضُ فِي الْيَوْمِ تَفْصِيلًا ثُمَّ فِي الْجُمُعَةِ جملَة أَو بِالْعَكْسِ. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض الأحاديث التي لا تثبت في صيام شهر الله المحرم

˜  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ لَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا مِنَ الْمُحَرَّمِ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا» رواه الطبراني في «المعجم الصغير»(963) من طريق الْهَيْثَمِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به.

هذا الحديث قال عنه العلامة الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»(412): موضوع. الهيثم بن حبيب اتهمه الذهبي بخبر باطل، وذكره ابن حبان في " الثقات "! وسلام الطويل متهم، وابن أبي سليم ضعيف.

˜  عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ لَهُ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا، إِلاَّ رَجُلاً سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصُمُ الْمُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ» رواه الترمذي (741 وأحمد (1322).

وسنده ضعيف فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطيُّ، أبو شيبة ضعيف. والراوي عن علي النعمان بن سعد مجهول.

وقد ضعَّف الحديث الشيخ الألباني في «ضعيف الجامع الصغير»(1298).