جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 19 أبريل 2019

(6)اختصار الدرس الثالث من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية


عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُجمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. 


هذا الحديث الصحيح أنه موقوف. رجح وقفه الترمذي والنسائي والبخاري كما في «فتح الباري» (1924).

«مَنْ لَمْ يُجمِعِ الصِّيَامَ» قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (4/233): أَيْ يَعْزِمُ، يُقَالُ: أَجْمَعَتْ عَلَى الْأَمْرِ: أَيْ عَزَمْتَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: يُجْمِعُ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ إحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ، يُقَالُ: أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ.



وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

(حيس)قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (1/467): هُوَ الطَّعام المتَّخَذ مِنَ التَّمر والأقِط والسَّمْن. وَقَدْ يُجْعل عِوَض الأقِط الدَّقِيق، أَوِ الفَتِيتُ. اهـ.


حكم تبييت النية في صوم الفريضة


وذلك كصيام رمضان، والقضاء، والكفارة مثل: كفارة اليمين، والظهار، وقتل الخطأ.



·      ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تبييت النية في صوم الفريضة، ودليلهم حديث حفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «مَنْ لَمْ يُجمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ». وحديثإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».



·      وعند الحَنفية: تصح النية في صوم الفريضة في النهار قبل الزوال. 


ومن أدلة الحنفية: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ «إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ» رواه البخاري (1924 ومسلم (1135).


قال الشوكاني رَحِمَهُ الله في الشرح (4/233)في ردِّ هذا الاستدلال: النِّيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ فِي نَهَارِ عَاشُورَاءَ لكون الرُّجُوعِ إلَى اللَّيْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَالنِّزَاعُ فِيمَا كَانَ مَقْدُورًا فَيُخَصُّ الْجَوَازَ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَعْنِي مَنْ ظَهَرَ لَهُ وُجُوبُ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ كَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، وَالصَّبِيُّ يَحْتَلِمُ، وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ، وَكَمَنِ انْكَشَفَ لَهُ فِي النَّهَارِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ.


·      وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب تبييت النية إلا في صيام القضاء والنذر المطلق. والكفارات، وهذا القول معزو إلى علي وابن مسعود والنخعي. 


وهذه الثلاث المسائل قد نُقل عليها الإجماع أي: أنه لابد فيها من تبييت النية. نقله البغوي في «شرح السنة»وغيره.


والصحيح في هذه المسألة قول جمهور العلماء أنه لا بد أن تكون النية في الليل، لحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

فمن كان يَعلم من الليل أنه سيصوم غدًا فعليه أن ينويَ من الليل.


أما إذا لم يَعلم دخول رمضان إلا في أثناء النهار فإنه يصوم بقية اليوم، لكونه ضرورة في حقه، ولهذا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ «إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ».

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/109): إذَا ثَبَتَ الهلال فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ قَبْلَ الْأَكْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَتَمُّوا وَأَمْسَكُوا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ، كَمَا لَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. اهـ



حكم تبييت النية في صوم النافلة


وصيام النفل: كصيام ست من شوال، ويوم عرفة، وعاشوراء، والاثنين والخميس، وأيام البيض. 


·      ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجب وقالوا: يصح أن تكون النية في النهار في صيام النافلة إذا لم يكن قد طعِم.


ودليلهم حديث عائشة عند الإمام مسلم، قالت: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ».

قالوا: هذا دليل على أنه أنشأ نية الصوم نهارًا.

وفي رواية أخرى لمسلم «قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا». 


واستدلوا أيضًا بحديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ «إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ».


·       وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَمَالِكٌ وَزُفَرُ وَدَاوُد: لَا يَصِحُّ صيام النافلة إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ مِنْ الشافعية.وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَنْ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَصَحَّحَ نِيَّتَهُ فِي النَّهَارِ.عزاه إليهم النووي في «المجموع» (6/303).


وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (تحت رقم1924): والمعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب أنه لا يصح صيام التطوع إلا بنية من الليل. اهـ.

وهو قول الصنعاني في «سبل السلام»وقول والدي رحمهم الله.


وحجة هذا القول أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».وعموم حديث حفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «مَنْ لَمْ يُجمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ». 


وقد أجيب عن استدلال الجمهور بحديث عائشة المذكور «أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْفِطْرَ لَمَّا ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَا سِيَّمَا عَلَى رِوَايَةِ: «فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الِاحْتِمَالِ كَانَ غَايَتُهُ تَخْصِيصَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ عُمُومِ» قاله الشوكاني رَحِمَهُ الله في «نيل الأوطار» شرح هذا الباب.

 وقد سألت والدي رحمه الله فأجاب: لفظة «فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» دليل أنه نوى من الليل.



وأُجيب عن استدلال الجمهور بحديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أنه في حقِّ  من انكشف له الصوم في أثناء النهار فإنه يصوم ولو لم يكن هناك تبييت النية.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتصح النية في كلِّ جزء من أجزاء الليل لمن أراد الصوم ولو بعد غروب الشمس. 


قال الإمام النووي في «المجموع» (1/290): تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي جميع الليل ما بين غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ. اهـ.


ومن نوى الصوم في النهار عن يوم غدٍ هذا لا يجزئ، إلا أن يستصحب النية إلى جزءٍ من أجزاء الليل، ليتِمَّ تبييت النية.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن نوى الصيام في الليل ثم أكل أو شرب أو غير ذلك فالنية باقية. 


قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (3/110): فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ نَوَى أَجْزَأَهُ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، أَمْ لَمْ يَفْعَلْ.


وَاشْتَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَأْتِيَ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ.


وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، كَمَا اخْتَصَّ أَذَانُ الصُّبْحِ وَالدَّفْعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِهِ. اهـ.

وَهذا الاشتراط تحكُّمٌ من غير دليل.


وهذا ما لم يقطع النية، فإذا قطعها ونوى الفطر زالت النية.


قال النووي رحمه الله في «المجموع» (6/299): لَوْ نَوَى فِي اللَّيْلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا، لِأَنَّ تَرْكَ النية ضد للنية، بخلاف مالو أكل في الليل بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ، لِأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ ضِدَّهَا.


وقال ابن قدامة رَحِمَهُ الله في «المغني» (3/111): فَأَمَّا إنَّ فَسَخَ النِّيَّةَ، مِثْلُ إنَّ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ نِيَّةِ الصِّيَامِ، لَمْ تُجْزِئْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ الْمَفْسُوخَةُ، لِأَنَّهَا زَالَتْ حُكْمًا وَحَقِيقَةً.اهـ