جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 4 فبراير 2025

(36) فقه التعامل بين الزوجين

 

            مواساة المرأة لزوجها وتثبيته

عن جَارٍ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ، وَاللهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ وَالعُزَّى، وَاللهِ لَا أَعْبُدُ أَبَدًا».

 قَالَ: فَتَقُولُ خَدِيجَةُ: خَلِّ اللَّاتَ، خَلِّ العُزَّى.

 قَالَ: كَانَتْ صَنَمَهُمُ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ. رواه الإمام أحمد رَحِمَهُ الله (29/467).

في هذا الحديث:

أن عادة الرجل يخبر زوجته بهمومه وغمومه وعقيدته والدين الذي هو عليه.

وفيه: أن المرأة الصالحة تعين زوجها على الثبات على الحق والتثبيت.

ونظير هذا موقف خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  لما رجع النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ من غار حراء، وقال: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»، فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ.

فقالت أم المؤمنين خديجة: «كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ» الحديث رواه البخاري (4953)، ومسلم (160) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها.

 فهذا نستفيد منه:

 أن الرجل يخبر أهله الرزينة العاقلة بغمومه وكربه.

 وأن المرأة الصالحة تقوم بالمؤانسة والتسلية والتثبيت.

وفيه  أيضًا من الفوائد:

 -تكرير القسم والكلام؛ للتأكيد.

واللات والعزى صنمان كان يعبدهما أهل الجاهلية.

-وقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لخديجة بهذا، هل كان قبل البعثة أو بعدها؟

قال السندي رَحِمَهُ اللهُ في «حاشية مسند أحمد»(4/284): « يَقُولُ لِخَدِيجَةَ » قبل النبوة أو بعدها، والأول أقرب.

«خَلِّ اللَّاتَ» تقريرًا له على ما قال. اهـ.

(والأول أقرب) أي: أنه قبل النبوة، وصنيعنا في ترتيب « الصحيح المسند من الشمائل المحمدية»  يدل على ذلك، وهذا من فعل والدي أثناء ترتيب مواضع الكتاب، هو الذي وضعه في هذا الموضع. رحمه الله بمنِّهِ وكرمه. آمين.

وقوله: (فَتَقُولُ خَدِيجَةُ: خَلِّ اللَّاتَ، خَلِّ العُزَّى) أي: اتركها، واثبُت على التوحيد.

وقوله: كَانَتْ صَنَمَهُمُ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ.

معناه: أنهم كانوا يعبدونها قبل أن يناموا، والله أعلم.

«حاشية ابن البنا الساعاتي على مسند أحمد»(22/39).

وفيه أيضًا من الفوائد:

سلامة عقيدة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قبل البعثة، وبغضه للأصنام، وقد تولاه الله سُبحَانَهُ بحفظه وعصمه  عن الشركيات، وحفظه عن ارتكاب القبائح والرذائل كلها.

قال الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء»(1/131): وَالَّذِي لا رَيْبَ فِيْهِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُوْمًا قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ التَّشْرِيْعِ مِنَ الزِّنَى قَطْعًا، وَمِنَ الخِيَانَةِ، وَالغَدْرِ، وَالكَذِبِ، وَالسُّكْرِ، وَالسُّجُوْدِ لِوَثَنٍ، وَالاسْتِقْسَامِ بِالأَزْلَامِ، وَمِنَ الرَّذَائِلِ، وَالسَّفَهِ، وَبَذَاءِ اللِّسَانِ، وَكَشْفِ العَوْرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَطُوْفُ عُرْيَانًا. اهـ المراد.

فكانت فطرة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مجبولة على كل خير، وكانت صفاته جميلة؛ ولهذا كانت قريش تلقبه بالصادق الأمين، وكان يعجبه أن يتعبَّد لله في غار حراء قُبيل نزول الوحي.

[مقتطف من درس الصحيح المسند من الشمائل المحمدية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله تَعَالَى]