حكم قول: (يا حبيب الله محمد) في زفة العروس
هذا يشبه الذي نسمعه عند الروضة في المسجد النبوي من الجاهلات المتعبِّدات بالشركيات، تستغيث بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62]. ويقول سُبحَانَهُ: ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)﴾[الحج].
قد يكون-لا شك-القائلة صاحبة عقيدة طيبة ويقين، فهي لا تقصد هذا المعنى الشركي الذي يُقال عند الروضة الشريفة، ولكن يُجتنب هذا اللفظ؛ لما فيه من الاشتراك مع اللفظ الشركي.
أمْرٌ آخر: أن وصف نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحبيب الله، فيه قصور؛ لأن مرتبته أعلى من حبيب، وهي: الخُلَّة، فهو خليل الله، وأيضًا الوصف بحبيب عام، فالله يحب جميع المؤمنين([1]).
نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظنا من الشرك، وأن يُطَهِّر أعراسَ أهل السنة من المنكرات.
والآفة التقاليد، الناس يقلِّد بعضهم بعضًا في الأعراس، والأعياد، والمناسبات، فجعلوا الميزان ما عليه الناس، ولم يجعلوها خاضعة للكتاب والسنة، نسأل الله أن يرد المسلمين إلى الحقِّ ردًّا جميلًا.
[مقتطف من/ فاظفر بذات الدين لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
([1]) فهذان محذوران، وأما حديث: «ألا وأنا حبيب الله ولا فخر» رواه الترمذي(3616) والدارمي(48) عن ابن عباس، وهو حديث ضعيف؛ فيه زمعة بن صالح ضعيف.
وقد اعتمده الطحاوي في «متن الطحاوية»، وقال في وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين. اهـ.
وهذا هو الذي اشتهر عند العوام، وعند الصوفية، يقولون: محمد حبيب رب العالمين، أو حبيب الله.
وهذا منتقد، وقد انتقده الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في تعليقاته على «متن الطحاوية»، وقال: بل هو خليل رب العالمين؛ فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل؛ ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا»، ولذلك لم يثبت في حديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حبيب الله. فتنبه.
وكذلك انتقده الشيخ صالح الفوزان في تعليقاته على «متن الطحاوية»(63)، وقال: هذه العبارة فيها مؤاخذة؛ لأنه لا يكفي قوله: حبيب، بل هو خليل رب العالمين؛ والخلة أفضل من مطلق المحبة؛ فالمحبة درجات، أعلاها الخلة، وهي خالص المحبة، ولم تحصل هذه المرتبة إلا لاثنين من الخلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلًا﴾ [النساء: 125]، ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد أخبر بذلك فقال: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا». فلا يقال: حبيب الله؛ لأن هذا يصلح لكل مؤمن، فلا يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا ميزة، أما الخلة فلا أحد يلحقه فيها. اهـ.
فهذا الوصف حبيب عام، لا يكون فيه مزية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الله يحب عباده المؤمنين المتقين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ [المائدة:54]، لكن الخلة أخص، وهي أرفع المحبة؛ ولهذا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لم يتخذ أحدًا خليلًا سوى نبيين من أنبيائه: محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.