تسأل عن حكم اللعب بالشطرنج؟
الجواب:الحمد لله القائل في كتابه الكريم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:6].فالواجب على كل مسلم أن يقي نفسَه من النار،وأن يقيَ أولاده وأُسرته من النار بتقوى الله سبحانه واجتناب معاصيه.
وإن اللَّعِبَ بالشطرنج لَمِن المنكرات المنتشرة بينَ أولاد المسلمين.
والشطرنج كما قَالَ الجواليقي :الشطرنج فَارسي مُعرب وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة مَفْتُوحَة ومكسورة حَكَاهُمَا الجواليقي.كذا في«تحريرألفاظ التنبيه»(342)للنووي.
وفي«المعجم الوسيط»:الشطرنج لعبة تلعب على رقْعَة ذَات أَرْبَعَة وَسِتِّينَ مربعًا وتمثل دولتين متحاربتين بِاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ قِطْعَة تمثل الْملكَيْنِ والوزيرين والخيالة والقلاع والفيلة والجنود (هندية).اهـ
واللَّعِبُ بالشطرنج حرامٌ لِمَا سيأتي وقد ذكروا له عدَّة صُور:
اللعب بالشطرنج على عوضٍ مالي وهذا مِنْ أكل أموال الناس بالباطل قال تعالى:﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾[البقرة:188]،وعلى تحريمه اتفاقُ العلماء.
واستدل لذلك الذهبي رحمه الله في«الكبائر»(88)تحت عنوان:
الْكَبِيرَة الْعشْرُونَ :الْقمَار
بالآية السابقة.
وبقول الله تَعَالَى:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}.
قال:وَالْميسر هُوَ الْقمَار بِأَيّ نوع كَانَ نرد أَو شطرنج أَو فصوص أَو كعاب أَو جوز أَو بيض أَو حَصى أَو غَيره.
قال:وهو داخل فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:إِن رجَالًا يتخوضون فِي مَال الله بِغَيْر حق فَلهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة .
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ لصَاحبه تَعَالَى أقامرك فليتصدق. فَإِذا كَانَ مُجَرّد القَوْل يُوجب الْكَفَّارَة أَو الصَّدَقَة فَمَا ظَنك بِالْفِعْلِ.اهـ
أن يُلهي عن الصلاة وعن الواجبات أو يشتمل على محرمات هذا أيضًا لا يجوز اللعب به لأن الله عز وجل يقول:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾[المائدة:91] والشطرنج من هذا المعنى إذا كان يؤدي إلى تضييع الصلاة والواجبات.
وهذا على تحريمه أيضًا الاتفاق.
قال شيخ الإسلام في«مجموع الفتاوى»(32/218):
الشّطْرَنْجُ مَتَى شَغَلَ عَمَّا يَجِبُ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَشَغْلُهُ عَنْ إكْمَالِ الْوَاجِبَاتِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى بَسْطٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَغَلَ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ: مِنْ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ أَوْ الْأَهْلِ أَوْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ، أَوْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَوْ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ مِنْ نَظَرٍ فِي وِلَايَةٍ أَوْ إمَامَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ.
وَقَلَّ عَبْدٌ اشْتَغَلَ بِهَا إلَّا شَغَلَتْهُ عَنْ وَاجِبٍ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ اسْتَلْزَمَتْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ: مِثْلَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْكَذِبِ، وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، أَوْ الْخِيَانَةِ أَوْ عَلَى الظُّلْمِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إذَا قُدِّرَ أَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ فَسَادًا غَيْرَ ذَلِكَ: مِثْلَ اجْتِمَاعٍ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْفَوَاحِشِ، أَوْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ مِثْلَ أَنْ يُفْضِيَ اللَّعِبُ بِهَا إلَى الْكَثْرَةِ وَالظُّهُورِ الَّذِي يَشْتَمِلُ مَعَهُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ: فَهَذِهِ الصُّورَةُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يَتَّفِقُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهَا فِيهَا.اهـ
أن يخلوَ اللعب بالشطرنج من هذه الأشياء المذكورة،وإنما تسلية على النفس في بعض الأحيان.فهذا مختلف فيه وجمهور أهل العلم على تحريمه. قال الذهبي رحمه الله في«الكبائر»(89): أما الشطرنج فَأكْثر الْعلمَاء على تَحْرِيم اللعب بهَا سَوَاء كَانَ بِرَهن أَو بِغَيْرِهِ.
أما بِالرَّهْنِ فَهُوَ قمارٌ بِلَا خلاف.
وَأما إِذا خلا عَن الرَّهْن فَهُوَ أَيْضا قمار حرَام عِنْد أَكثر الْعلمَاء. وَحُكي إِبَاحَته فِي رِوَايَة عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ فِي خلْوَة وَلم يشغل عَن وَاجِب وَلَا عَن صَلَاة فِي وَقتهَا،وَسُئِلَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله عَن اللعب بالشطرنج أحرام أم جَائِز فَأجَاب رَحمَه الله تَعَالَى: هُوَ حرَام عِنْد أَكثر أهل الْعلم.اهـ المراد
وقال شيخ الإسلام في«مجموع الفتاوى»(32/218):وَإِذَا قُدِّرَ خُلُوُّهَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: فَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ،ثم ذكر بعض الآثار في ذلك.
ومِن خلال التأمُّل يتبيَّن أنَّه لا يخلو اللعب بالشطرنج من معصية.
أولًا :اشتماله على تضييع الأوقات وقتلِ الساعات الطويلة،وقد كان من أسباب تحريم الخمر والميسر أنهما يصدان عن ذكر الله.
ثانيًا:لا يخلو مِن كذب يقول قتلت وهو ما قتل.
ثالثًا:شغل القلب والتفكير في شيء لا يعود بنفع ولا خير.
وقد تقدم عن شيخ الإسلام أنه قال: قَلَّ عَبْدٌ اشْتَغَلَ بِهَا إلَّا شَغَلَتْهُ عَنْ وَاجِبٍ.
وقال رحمه الله في«مجموع الفتاوى»(32/227)بعد ذِكْرِهِ أنَّ علة النهي عن الخمر والميسر وُقُوعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَصُدُودُ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ قال:وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا يَحْصُلُ فِي اللَّعِبِ بِالشّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِوَضٌ وَهُوَ فِي الشِّطْرَنْجِ أَقْوَى، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِيمَا فَعَلَ خَصْمُهُ وَفِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِجُوعِهِ وَلَا عَطَشِهِ وَلَا بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا بِحَالِ أَهْلِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَضْلًا أَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ أَوْ الصَّلَاةَ.اهـ
رابعًا: أنه سببٌ للبلادة .وما قيل:اللعب بالشطرنج فيه تفتيحٌ للذكاء والمهارة في الحروب والفهم فالأمرعلى العكس من ذلك،بل يجلب البلادة وحصر الذِهْن فيه وتجميد الفِكْر.
ولهذا كان مما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الاستدلال على تحريم هذه اللُّعبة:انحصار الذهن على هذا النوع من الذكاء في هذا النوع من الأنواع ويكون فميا عداه بليدًا كما حدثني بذلك من أثق به ،قال: إن المنهمكين في لعب الشطرنج نجدهم إذا خرجوا عن ميدانه مما يتطلب ذكاء وفطنة نجدهم من أبله الناس وأبلدهم.اهـ من«فتاوى نور على الدرب».
خامسًا:استدل أيضًا الشيخ ابن عثيمين في«فتاوى نور على الدرب»على تحريمه:أنه لا يخلو غالبًا من صورة تمثاليَّه مجسمة،ومعلوم أن اصطحاب الصور محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة.
ومِمَّن أفتى بتحريم اللَّعِب بالشطرنج بأيِّ حال الشيخ ابن باز رحمه الله في«مجموع الفتاوى»(19/391)للأدلةِ المتقدمة.
وللآجري رسالة في«تحريم النرد والشطرنج والملاهي»ويقول فيها(ص169): فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: قَدْ لَعِبَ بِهَا قَوْمٌ مِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا قَوْلُ مَنْ يَتْبَعُ هَوَاهُ وَيَتْرُكُ الْعِلْمَ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي إِذَا زَلَّ بَعْضُ مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْعِلْمِ زَلَّةً أَنْ يُتَّبَعَ عَلَى زلَلِهِ هَذَا قَدْ نُهِينَا عَنْهُ،وَقَدْ خِيفَ عَلَيْنَا مِنْ زَلَلِ الْعُلَمَاءِ.اهـ
فهل يفيق المسلمون من هذه الفتنة والمهلَكَة ومن هذا الجليس ويستغلوا فراغهم ويعمروا أوقاتهم بالمصالح والمنافع والاستعداد لدار القرار.
ومَنْ عاش على شيء مات عليه،فيُخشى على مَن كان هذا حالُه مِن سوء الخاتمة،فإنَّ المعاصي تخون صاحبها في وقتٍ أحوج ما يكون فيه إلى الثبات والنجاة .وقد ذكر الذهبي في«الكبائر»(91):عن مُجَاهِد مَا من ميت يَمُوت إِلَّا مثل لَهُ جُلَسَاؤُهُ الَّذين كَانَ يجالسهم. فاحتضر رجل مِمَّن كَانَ يلْعَب بالشطرنج فَقيل لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ شاهك ثمَّ مَاتَ فغلب على لِسَانه مَا كَانَ يعتاده حَال حَيَاته فِي اللعب فَقَالَ عوض كلمة الْإِخْلَاص شاهك. وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي إِنْسَان آخر مِمَّن كَانَ يُجَالس شراب الْخمر إِنَّه حِين حَضَره الْمَوْت فَجَاءَهُ إِنْسَان يلقنه الشَّهَادَة فَقَالَ لَهُ اشرب واسقني ثمَّ مَاتَ فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَنسأل الله المنان بفضله أَن يتوفانا مُسلمين لَا مبدلين وَلَا مغيرين وَلَا ضَالِّينَ وَلَا زائغين إِنَّه جواد كريم.اهـ المراد
وليتذكر الإنسان أنه بسبب معاصيه يتمنى أنه قدَّم لحياته الحقيقية ولم يفرِّط في دقيقة ولا ثانية،كما قال سبحانه:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}[الفجر].فعلى كلِّ مسلمٍ أن يفيقَ من غفلته وأن يرجع إلى ربه ،ويقي نفسَه وأولاده من المهلِكات قبل الندامة والحسرة.نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يردهم إلى الحق ردًّا جميلًا.