جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 27 أكتوبر 2018

(1) مِنْ أحكامِ الصلاة


              
                  حكم الجمع بين الصلاتين للمريض


يجوز الجمع بين الصلاتين للمريض،سواء كان جمعَ تقديمٍ أو تأخير كالمسافر.لقول الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78].وما في معنى ذلك من أدلة التيسير ورفع الحرج والمشقة.

ولِما روى مسلم (705)عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما«جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ».
فإنه إذا كان يدل على جواز الجمع في الخوف والمطر،وكذا في الحضر للحاجة من غير اتخاذه عادة كما هو قول جماعة من العلماء(**)فيجوز للمريض مِنْ باب أولى. 



قال الترمذي رحمه الله في سننه(188):وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَرِيضِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.

وقال ابن قدامة في المغني(2/204):وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَرَضِ،وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ.

 وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ أَخْبَارَ التَّوْقِيتِ ثَابِتَةٌ، فَلَا تُتْرَكُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ.


ثم أجاب ابن قدامة عن حجة أصحاب الرأي وهم الحنفية والشافعي بأنها عامَّة مخصوصة.

ولهم حجة أخرى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا.كما في المجموع(4/384)للنووي.



الحاصل مما تقدم:

جواز الجمع بين الصلاتين للمريض عند وجود المشقة لِما تقدم من الأدلة.

وهذا قول عطاء ومالك وأحمد وبعض الشافعية .

قال النووي رحمه الله في المجموع(4/383):وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ.قُلْتُ-أي النووي-:وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا واستدل له بحديث ابن عباس المتقدم،ولأن حَاجَةَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ آكَدُ مِنْ الْمَمْطُورِ.اهـ


وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(22/292)فقد قال:الْقَصْرُ سَبَبُهُ السَّفَرُ خَاصَّةً لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السَّفَرِ.

 وَأَمَّا الْجَمْعُ فَسَبَبُهُ الْحَاجَةُ وَالْعُذْرُ فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ جَمَعَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ،وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ وَنَحْوِهِ وَلِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ،فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ.اهـ



وبعد ذلك علينا أن نفهمَ المرض المبيح للجمع بين الصلاتين.


 قال ابن قدامة في المغني(2/205): وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا يَلْحَقهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ.

 قَالَ الْأَثْرَمُ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْمَرِيضُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؟ فَقَالَ: إنِّي لِأَرْجُوَ لَهُ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ


علِمْنا مما تقدم: أنه إذا وجِدَ مشقة على المريض في  أداءِ كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الصلاتين تقديمًا أو تأخيرًا.وبالله التوفيق.


(**)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (تحت رقم 543)في شرح حديث ابن عباس:وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا،لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وابن الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.