جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 11 مايو 2018

(52)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8)﴾.

 (اسْتَوى) استوى عند السلف تدور على أربعة معاني:
علا ،وارتفع ،وصعد ،واستقر.

﴿لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى﴾
 قال الحافظ ابن كثير في تفسير [سورة طه]: أَيِ الْجَمِيعُ ملكه، وفي قبضته، وتحت تصرفه وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحُكْمِهِ، وَهُوَ خَالِقٌ ذَلِكَ وَمَالِكُهُ وإلهه لا إله سواه وَلَا رَبَّ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: وَما تَحْتَ الثَّرى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: أَيْ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ.اهـ

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)
قال ابن كثيرٍ رحمه الله:أَيْ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي خلق الأرض والسموات العلى الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيمًا﴾ [الْفَرْقَانِ: 6].اهـ

السر وما هو أخفى منه

قال ابن القيم في الوابل الصيب (62): السر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه.
 وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا.اهـ

(اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)
قال ابن كثير رحمه الله:أي الذي أنزل عليك القرآن، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى.اهـ
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .اهـ.

وقد جاءَ سرد أسماء الله عز وجل التسعة والتسعين على التفصيل في حديثٍ واحدٍ عند الترمذي برقم (3507) من طريق الوليد بن مسلم ،وقد وهم الوليد بن مسلم في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(6/379):قَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ فَالْوَلِيدُ ذَكَرَهَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الشَّامِيِّينَ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام (1368): "وَسَاقَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ الْأَسْمَاءَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سَرْدَهَا إِدْرَاجٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ" .اهـ
من الفوائد المستنبطة

·      الإيمان بصفة العلو لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.
ومن أسماءِ الله عزوجل العلي ،والأعلى.
 وعلو الله جلَّ وعلا ثلاثة أقسام: علو قهر وعلو صفات وعلو ذات.

قال ابن القيم رحمه الله في «اجتماع الجيوش الإسلامية»(2/182): قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى، وَنَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ ،فَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى عُلُوِّ الْغَلَبَةِ لَا عُلُوِّ الذَّاتِ، وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُلُوَّ الْغَلَبَةِ. وَالْعُلُوُّ مِنْ سَائِرِ وُجُوهِ الْعُلُوّ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ صِفَةُ مَدْحٍ فَثَبَتَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عُلُوَّ الذَّاتِ وَعُلُوَّ الصِّفَاتِ وَعُلُوَّ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. اهـ.
·      أن الله عز وجل مالك السماوت والأرض وما بينهما ،وهذا دالٌّ على عظمة الله عزوجل وقدرته الشاملة.
·      أن الله سبحانه مطلع على ما في السرائر.
وكما قال سبحانه:{ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10).
 وقال عز وجل:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) ﴾ [آل عمران ].
وقال سبحانه:﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)﴾[الملك].
وقال سبحانه:{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)} [محمد].
وقال سبحانه:{ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(5)}[هود].
فالله عز وجل كما يعلم الجهر يعلم السر وأخفى ويعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
·      الحث على إصلاح السريرة ومراقبة الله لأنه مطلعٌ على خلقه﴿ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:5]،وسيحاسبهم على أعمالهم يوم معادهم ،في يومٍ لا ينفع الإنسان فيه إلا ما قدَّمه من الأعمالِ الصالحة﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾[الشعراء].

-الإيمان بأسماء الله عز وجل الحسنى.