جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 أكتوبر 2017

(50) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


                       
                    حكمُ زيارة المرأة للقبور

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»رواه البخاري(1283).

هذا الحديث فيه دليلٌ على جواز زيارة المرأة للقبور .وقد بوَّب الإمامُ البخاري رحمه الله على هذا الحديث(بَابُ زِيَارَةِ القُبُورِ).قال الحافظ في فتح الباري شرح هذا الحديث: وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حجَّة .اهـ

ومن أدلة الجواز الحديث الذي رواه مسلم (974) عن عائشة رضي الله عنها الحديث وفي آخره أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ.

وروى أبوداود(3235)عن بريدة بن الحُصيب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً».

قال الشيخ الألباني رحمه الله في الجنائز(180)عن عموم حديث بريدة:النساء كالرجال في استحباب زيارة القبور، لوجوه: الأول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم (..فزوروا القبور) فيدخل فيه النساء.
وبيانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن زيارة القبور في أول الامر.
فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معًا، فلما قال (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ) كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين، فإذا كان الامر كذلك، كان لزامًا أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: (فَزُورُوهَا) إنما أراد به الجنسين أيضا.

قال:ويزيده تأييدًا مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: (فإنها ترق القلب وتدمع العين) وتذكر الاخرة).اهـ المراد

وروى الحاكم في المستدرك (1392)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، «كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا».والحديث صحيح.

هذه جملة من الأدلة فيها جواز زيارة المرأة للقبور .وهذا ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وهو قولُ أكثر أهل العلم .قال الحافظ في فتح الباري(1283): وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ فَقِيلَ :دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ،وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ الْبَابِ -يعني حديث أنس السابق.
وهو قول الشيخ الألباني كما تقدم،وقولُ والدي الشيخ مقبل رحمهم الله.

أما الحديث الذي رواه  أبوداود(3236)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ».فهذا من طريق أبي صالح باذام مولى أم هانئ وهو ضعيف.وقد ضعَّف الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (761).

وذكر في أحكام الجنائز (186)أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات). ثم ذكر رحمه الله توجيه هذه الرواية وقال:وهذا اللفظ (زوارات) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة.
بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج،وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء.

قال الشوكاني في نيل الأوطار(4/ 95): وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر اهـ المراد.


قلت:والمعتبرُ هو ثبوت الدليل إذ لم يتعبَّدنا ربُّنا سبحانه بالأحاديث الضعيفة فإذا أَمنتِ المرأةُ الفتنة على نفسِها من النياحة والصياح والتصرُّف السيء كان مأذونًا لها في زيارة القبور ،ومن غير أن تكثر منه .وبالله التوفيق.