حث
الأب ولده على تعلُّم العلم من أهله
«عَنْ
عِكْرِمَةَ، قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى
أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي
حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا
حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً
لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ،
تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ
إِلَى النَّارِ قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ».رواه
البخاري(447).
قال ابن
رجب رحمه الله في«فتح الباري»(3/299): في هذا الحديث: حرص العالم المتَّسِع علمُه
على أولاده ومواليه في تعليمهم العلم، حتى يرسلهم إلى غيره من العلماء، وإن كان هو
أعلم وأفقه، لما يُرجى من تعليمهم من غيره ما ليس عنده.اهـ
قال
الحافظ في«فتح الباري»: فِي
الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعلم لَا يحوي جَمِيعه أحدٌ لِأَن ابنَ عَبَّاسٍ
مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ أَمَرَ ابْنَهُ بِالْأَخْذِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ،فَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِ لِطَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ سَمَاعًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ ابن عَبَّاسٍ.
وَفِيهِ مَا كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ مِنَ
التَّوَاضُعِ وَعَدَمِ التَّكَبُّرِ .
وَتَعَاهُدِ
أَحْوَالِ الْمَعَاشِ بِأَنْفُسِهِمْ .
وَالِاعْتِرَافِ
لِأَهْلِ الْفَضْلِ بِفَضْلِهِمْ .
وَإِكْرَامِ
طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَتَقْدِيمِ حَوَائِجِهِمْ عَلَى حَوَائِجِ أَنْفُسِهِمْ .
قال:وقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ يَقُولُ عَمَّارٌ:« أَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنَ الْفِتَنِ»فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْفِتَنِ
وَلَوْ عَلِمَ الْمَرْءُ أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ فِيهَا بِالْحَقِّ .اهـ المراد.
قال ابن
بطال رحمه الله في«شرح صحيح البخاري»(10/43):وهذا خلاف ما يُروى عن بعض من قصُر
علمُه أنه قال: اسألوا الله الفتنة فإنها حصاد المنافقين، وزعم أن ذلك مروي عن
رسول الله، وهو حديث لا يثبت .اهـ
استفدنا مما تقدم أن السلف الصالح كانوا حريصين على مجالسة
أولادهم أهل العلم،ليستفيدوا من علمهم ونصائحهم، وقد
يكون لذلك
تأثيرٌ بالغ في تقويم الولد وإصلاح اعوجاجه.