اختصارُ درسِ (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم/31)
*وفاته صلى الله عليه وسلم: بقي بعد
أن حج العام العاشر ثلاثةَ أشهرٍ إلا قليلًا ثم توفِي، وعدَّها الحافظ ابن كثير في
«البداية والنهاية» (5/101) بالأيام، وقال: ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ. اهـ.
* كان أول
وجعِه صلى الله عليه وسلم صداع في رأسه وابتدأ في بيتِ ميمونةَ يومَ خميس،كما في«مصنف
عبدالرزاق» (9754) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. والحديث رجاله ثقات.
*وكان يَدورُ على نسائِه حتى شقَّ عليه،
فاستأذنَهُن أن يُمَرَّضَ في بيتِ عائشةَ رضي الله عنها، فأذنَّ له، فمكثَ وجِعًا ثلاثة
عشر يومًا وهذا عليه الأكثر، وقيل: بزيادة يوم، وقيل غير ذلك.
* آخر
صلاةٍ صلاها صلى الله عليه وسلم بأصحابه هي صلاة المغرب، كما في البخاري (763)،
ومسلم (462) عن أم الفضل ، وجاء أنها صلاة الظهر. رواه البخاري (687)، ومسلم (418)
عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وقد جمع
الحافظ في «فتح الباري» (تحت رقم 763) بين الحَدِيثَيْنِ بما يأتي: أَنَّ الصَّلَاةَ
الَّتِي حَكَتْهَا عَائِشَةُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالَّتِي حَكَتْهَا أُمُّ
الْفَضْلِ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
*الصديق
رضي الله عنه يصلِّي بالناسِ بنصِّه صلى الله عليه وسلم عليه،كما في الحديث المتفق
عليه:«مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ». وهذا من جملة الأدلة التي فيها
إشارة إلى خلافة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
*صلى عليه
الصلاة والسلام خلفَ الصديق جالسًا ،وجاء أنه صلى الله عليه وسلم كان إمامًا. ولا
منافاة فهذا محْمولٌ على التعدد وأنه وقع هذا وهذا .
* الوقت
الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم لما اشتدَّ الضُّحَى يوم الاثنين،كما هو المشهورُ
عند أهل السير .
* خمسة
أمور كانت في يوم الاثنين ،كانت ولادتُه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأُنزل
عليه القرآن يوم الاثنين، وهاجر ودخل المدينة فيه، ومات فيه.
* ثلاثة
أشياء كانت في شهر ربيع الأول توفي فيه صلى الله عليه وسلم، وكانت فيه ولادته،
وهاجر من مكة إلى المدينة.
*كان
عمرُه يوم ماتَ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنةً، على الصحيح، ومات لذلك
أيضًا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
* يُعتبر موتُه
صلى الله عليه وسلم من أشد المصائب، لهذا اضطرب الصحابة فمنهم من قال: مات، ومنهم
من قال: لم يمت وأنكرَ موته ثم خطب أبو بكر رضي الله عنه خطبة عظيمة وبصَّر الناسَ
الهدى.
ولم يُرَ
في الإسلام أظلم ولا أشد من ذلك اليوم ، روى الترمذي (3618) عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ
اليَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ
حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا» والحديث في «الصحيح المسند» (122) للوالد الشيخ
مقبل رَحِمَهُ اللَّهُ.
وبقاؤه صلى
الله عليه وسلم بين صحابته أمانٌ لهم وحصنٌ من الشر ،وبموته انقطع الوحي من السماء.
* وقد
اهتم الصحابة بأمر إيجاد الخليفة بعد موته صلى الله عليه وسلم،لأنه:(لا يَصلُحُ الناسُ
فَوضى لا سَراةَ لَهُم) ،ولهذا بايعوا أبا بكر رضي الله عنه، واتفقوا عليه قبل
تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه.
*صلى
الصحابة عليه صلى الله عليه وسلم فُرادًا لعظَم قدرِه، ولمنافسَتهم أن يؤُمَّهم
عليه أحد، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف فيه.
*تأخر
دفنُه صلى الله عليه وسلم إلى يوم الثلاثاء، وقيل: الأربعاء. ودُفِن صلى الله عليه
وسلم في الموضع الذي مات فيه في حجرة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ولم يدفن داخل
المسجد وهذا نُقل بالتواتر لكن في إمارة الوليد بن عبد الملك أَدخلَ قبره صلى الله
عليه وسلم في المسجد وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ، وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ» رواه البخاري (435)، ومسلم (531)،فلا يكون فيه حجة للمتخذين القبور
مساجد.
* كان
هناك أمارات تُشعِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بقرب وفاته. منها: نزولُ سورة
النصر، ومنها: معارضةُ جبريلَ له عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالقرآن مرتين
في العام الذي توفيَ فيه. ومنها: تخيير النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في البقاءِ
في الدنيا أو الانتقال إلى الجنة. ومنها: وجعه صلى الله عليه وسلم من آثار أكله من
الشاةِ المسمومة يومَ خيبر.
كما أنَّ النبي
صلى الله عليه وسلم أشعر أصحابَه بقرب أجله. روى الإمامُ مسلم (1297) عن جابر بن
عبد الله قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي
لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ».
*حجه
واعتماره صلى الله عليه وسلم: لم يحجَّ بعد هجرته إلا حجة الوداع وهي حجة الإسلام في
التاسعة. وأما قبل الهجرة فقد حج قيل: أكثر من مرة ،قال الحافظ ابن كثير في «الفصول»
وهو الأظهر، لأنه كان صلى الله عليه وسلم يخرج ليالي الموسم يدعو الناس إلى الله .
وأما
عمرُه فكنَّ أربعًا: الحديبية التي صُدَّ عنها، وعمرة القضاء بعدها، ثم عمرة
الجعرانة، ثم عمرته التي مع حجته.