*غزوة الطائف: كانت بعد حُنين سنة ثمانٍ
فإنَّ المشركين لما هُزِموا في حنين توجَّه
بعضُهم إلى الطائف وتحصَّنوا في حصنٍ هناك،فتوجَّه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم ، وخرَّب
كثيرًا من أموالهم الظاهرة وقطع أعنابهم، ولم ينل منهم كبيرَ شيء ،واستعصوا وقتلوا جماعة من
المسلمين بالنبل وغيره.روى الإمامُ مسلم (1778) عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ: «إِنَّا
قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ»، قَالَ أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْدُوا عَلَى
الْقِتَالِ»، فَغَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا»، قَالَ:
فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
*وكان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما انتهى من معركة حنين جمع الغنائم في الجعرانة
ثم توجه إلى الطائف وبعد أن حاصرهم مدة رجع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ إلى الجعرانة ،فأتاه وفدُ هوازن وطلبوا منه أن يردَّ لهم ذراريهم وأموالهم
فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الحَدِيثِ
إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا
المَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ»، فلما رأوا أنه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرد إليهم الأموال والسبي كلها اختاروا السبي (الصبيان والنساء).
كما في«صحيح البخاري» (3131) .
وكان السبي ستة آلاف فيهم الشيماء أخت النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ من الرضاعة كما ذكروا، والله أعلم.
* ثم قسم النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنائم ،وأعطى جماعةً من سادات قريش وغيرهم، وأعطى كل
واحد منهم مائةً من الإبل تألُّفًا لقلوبهم ،وأعطى واحدًا يقال له: عباس بن مرداس دون
المائة ثم بعدَ معاتبةٍ له وفَّى له المائة وقصته في «صحيح مسلم» (1060)، ولم يُعطِ
الأنصارَ شيئًا لِما يرى في قلوبهم من الخير والإيمان.
*طعن ذو الخويصرة التميمي، واسمه
حرقوص ـ فيما قيل ـ في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذه قسمة ما أريد بها
وجه الله. وصفح عنه صلى الله عليه وسلم وحلُم، بعد ما سأل أحدُ الصحابة قتله ،فمَنع
وقال: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ
الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ
قَتْلَ عَادٍ»رواه البخاري ومسلم. وهذه أول بدعة وقعت، بدعة الخوارج.
* ثم اعتمر صلى الله عليه وسلم
من الجعرانة ودخل مكة، فلما قضى عمرته ارتحل إلى المدينة، وأقام للناس الحج عامَئذ
عتاب بن أسيد رضي الله عنه، فكان أول من حجَّ بالناس من أمراء المسلمين.
*من فوائد غزوة الطائف:
- أن الإمام إذا حاصر أناسًا،
له أن يرجع قبل الفتح إذا رأى مصلحة ولا يُعدُّ انهزامًا.
- جواز قطع شجر الكفار؛ إذلالًا
لهم واظهارًا لقوة المسلمين.
-وفي قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لوفد هوازن: «لقد كنت استأنيت بكم عشرين ليلة» أي:
تأنيت قبل قسمة الغنائم. وهذا يفيد تأخير الإمام قسمة الغنائم رجاء إسلام الكفار فيرد
إليهم أموالهم وسبيهم.
- جواز اختصاص بعض المقاتلين بالعطاء
أو يعطي بعضهم أكثر من بعض حسب المصلحة لا الهوى.
-الهداية بيد الله مالك بن عوف
هو الذي جمع الناس والقبائل في غزوة حنين، وكان سيدَهم ثم أسلم بعد ذلك والله يختصُّ برحمته من يشاء.
- دليل لمن قال: إن الإحرام بالعمرة
لمن يكون داخلًا إلى مكة، إذ لم يُنقل عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَسَلَّمَ ولا عن صحابته أنهم خرجوا من مكة لأجل الإحرام بالعمرة ثم العودة إلى
مكة لأداء العمرة ،وهم أشد الناس مسابقة وحرصًا على الخير، وهذا قول شيخ الإسلام ابن
تيمية ،وتلميذه ابن القيم رَحِمَهُا اللَّهُ وآخرين، أما إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة بالخروج من
مكة إلى التنعيم لتحرم بالعمرة فالنبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم كان ليِّنًا مع أهله ،وقد وجد عائشة حزينة ،وقالت له :يا رسول الله أيرجع
الناس بنسكين وأرجع بنسك واحد فأمر أخاها عبدالرحمن أن يخرج معها إلى التنعيم . والله
أعلم.