جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 24 مايو 2016

(18) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

بسم الله الرحمن الرحيم

اختصارُ درسِ السادس والعشرين من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* غزوة فتح مكة: سبب هذه الغزوة نقض قريشٍ للعهد الذي كان بالحديبية. فلم يمضِ من عَقد الصلح إلا سنة ونحو تسعة أشهرٍ ثم نُقِض العقد؛ وذلك أن خزاعة دخلوا في عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ودخل بنو بكر في عقد قريش. فاعتدى بنو بكر على خزاعة على ماء يقال له الوتير بسبب ما كان بينهم من الحروب والعداوة. وتساعدت قريش مع بني بكر بالسلاح والرجال، ثم بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك فشرع في الاستعداد للخروج إلى قريش.
* قصة مجيء أبي سفيان المدينة ليشدَّ العقد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ويزيدَ في الأجل بعدما نقض العهد وفيها أن أم حبيبة منعت أباها أن يجلس على فراش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رواها ابن إسحاق في السيرة بغير إسناد فالقصة لا تثبت، والله أعلم.
* كان العرب ينتظرون إسلام قريش؛ لأن قريشًا أصحاب قوةٍ وشجاعة وعصبية شديدة لأوثانهم فإذا غلبهم وانتصر عليهم واستسلمت قريش فغيرهم أحرى أن يستسلم وأن ينتصر عليهم، روى البخاري في «صحيحه»  من حديث عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيِّ وفيه: «وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ».وفي انتصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قريش مع أنهم أقوى العرب وأشدها معجزة على صدق نبوته .
* استعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لغزو قريش، وكان مخفيًا ذلك؛ لئلا يصل الخبر إلى قريش من أجل أن يأتيهم فجأةً، وهذا من سياسة الحروب كتمان الأسرار.
* ثم كانت قصة حاطب رضي الله عنه وهي في الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن حاطب بن أبي بلتعة بعث كتابًا إلى أهل مكة مع امرأة يعلمهم فيه بما همَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في «الفتح»: وَسَارَةُ مَوْلَاةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَهِيَ الَّتِي وُجِدَ مَعَهَا كِتَابُ حَاطِب. اهـ.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّا والزبير والمقداد رضي الله عنهم، فوجدوا تلك المرأة في روضة خاخ، وأخذوا منها الكتاب وقد كان حاطب تأول في ذلك مصلحةً تعود عليه رحمه الله وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». وكان هذا من إعلام الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ومن أعلام نبوته حيث وقع كما أخبر.
وقد أقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عثرتة لفضله فقد شهد بدرًا. ويستفاد منه أن الحسنة الكبيرة قد تكفر السيئة الكبيرة، واستدل به بعض العلماء على أنه يجوز قتل الجاسوس المسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل لا يجوز قتله ولكن ذكر أنه من أهل بدر. قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (3/372): وَالصَّحِيحُ: أَنَّ قَتْلَهُ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَإِنْ رَأَى فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتِبْقَاؤُهُ أَصْلَحَ اسْتَبْقَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
*وخرج صلى الله عليه وسلم لعشرٍ خَلون من رمضان في عشرة آلاف مقاتل وهو أكبرعدد يخرج معه صلى الله عليه وسلم من حين بدأت الحروب، وأما بعد الفتح فازدادت الأعداد وسيأتي ذلك إن شاء الله في محله. واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رُهم كلثوم بن حصين.
*ولقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عمه العباس في أثناء الطريق فأسلم. وجاءه ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية أخو أم سلمة مسلمين وقد كانا من أشد الأعداء له صلى الله عليه وسلم. وممن أسلم أيام الفتح أبو قحافة والد أبي بكر الصديق.
* سافر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة وكان صائمًا ولكنه أفطر لما بلغ الكديد على راحلته ليراه الناس. وأرخص لهم الفطر ثم أوجب الإفطار عليهم .أخرج مسلم في «صحيحه» عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وفيه «فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
* وقد عمَّى الله على قريش الخبر، إلا أنهم قد خافوا وتوهَّموا من ذلك، فلما كانت تلك الليلة خرج أبو سفيان، وبديل بن ورقاء،وحكيم بن حزام يتجسَّسون الخبر.  وقد منَّ الله على هؤلاء الثلاثة بالإسلام ،وحسن إسلامهم.
* ثم ركب العباس بغلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ، فمر بأبي سفيان وأشار عليه أن يركب وراءه ويسلم. فركب وانطلق به النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم، فقال العباس: يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الشرف، فقال صلى الله عليه وسلم «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن» وقصة إسلام أبي سفيان بطولها في الصحيحة(3341) للعلامة الألباني .
* مسألة فتح مكة كان عَنوة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ» رواه مسلم والشاهد أنه قيَّد الأمان بدخول دار أبي سفيان وبإلقاء السلاح وغلق الأبواب.
ولحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المتفق عليه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ...».
وعند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «...تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: «حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا»، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا...» الحديث.
وفي «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر حرمة مكة وقال: «...فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ...». وهذا قول جمهور العلماء .
وقال بعضهم فتحت صُلْحًا، وهذا قول الشافعي وقول أحمد في رواية عنه.
* أمر صلى الله عليه وسلم الزبير أن يدخل من كَداء من أعلى مكة، وأمر خالدًا أن يدخل من كُدَي من أسفل مكة، وأمرهم بقتال من قاتلهم. ولم يعترض أحد لهم إلا لخالد بن الوليد اعترَض له ومن معه عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو في جماعة بالخندمة فقاتلهم خالد حتى انهزموا. فقتل من المسلمين ثلاثة وهم: كرز بن جابر، وحبيش بن خالد بن ربيعة، وسلمة بن الميلاء الجهني، رضي الله عنهم. وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلاً، وفرَّ بقيتهم. وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بعد ذلك.
* ثم دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة على ناقته وعلى رأسه المغفر متواضعا مع أنه منتصر على عدوه وكلمته هي العالية، وهذا من أسباب النصر التواضع، والاستكانة، وعدم العجب والغرور.
* وقد أمَّن صلى الله عليه وسلم الناسَ إلا أشخاصا فقد أهدر دماءهم، وأمر بقتلهم حيث وُجدوا، حتى ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة فقتِل منهم ابن خطل، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وإحدى القينتين لابن خطل، وآمن الباقون.
* ونزل صلى الله عليه وسلم مكة واغتسل في بيت أم هانئ وصلى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، وهذا في «الصحيحين». ثم توجَّه إلى البيت وطاف طواف القدوم، ولم يكن محرمًا. ولما جاء الكعبة وجد عندها ثلاثمائة وستين نُصُبًا فجعل يطعنها بعود ويكسرها ويقول ﴿جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
* ثم دعا بالمفتاح ودخل البيت وكان فيها صور فأمر بها فمحيت وصلى في الكعبة. ويستفاد منه إزالة الصور من المكان الذي يُصلَّى فيه، والمبادرة إلى تغيير المنكر.
ويستفاد منه صلاة النافلة في جوف الكعبة ،وهكذا من صلى في الكعبة الفريضة أجزأه وصحت صلاته، لكن الأفضل والأولى: أن تكون الفريضة خارج الكعبة. خروجا من الخلاف، وتأسيا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه صلى بالناس الفريضة خارج الكعبة كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى.
* ثم خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغد من يوم الفتح وبيَّن لهم أن حرمة مكة باقية ويستفاد منه الخطبة عند الاحتياج والمناسبات.
* ثم بعث صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة يدعوهم إلى الإسلام ، ومن جملتهم خالد بن الوليد بعثه إلى بني جَذِيمَةَ وكانوا يقولون: صبأنا أي: أسلمنا، فقاتلهم خالد بن الوليد، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبرَّأ مما صنع خالد بن الوليد. وقد بعث خالد أيضاً إلى العزَّى، فدمَّرها رضي الله عنه.
* قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر]الآيات. قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية: والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولًا واحدًا. اهـ.

* هذاوقد خاف الأنصار لمَّا رأوا شفقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورأفته بقريش خافوا أن يرجع إلى مكة ويقيم بها ويترك المدينة فقالوا: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ ثم قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ للأنصار: «كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ»، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ، مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ –البخل-بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ.والله أعلم.