جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 31 مارس 2016

(36)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


            الأسماءُ الحسنى في خاتمة سورة الحشر ستة عشر اسمًا 

قال الله تعالى:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر:22]

هذه أربع أسماء لله عز وجل:

الأول: ﴿اللَّهُ﴾ لفظ الجلالة وهو أعرف المعارف، ويدل على إثبات صفة الألوهية لله عز وجل أي: أن الله هو المستحق للعبادة وحده وهذه الصفة صفة ذاتية.

الثاني: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ من أسماء الله العالم، ويتضمن صفة العلم لله عز وجل. ومن أسماء الله العليم، ومن أسماء الله العلام ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة:109]. وعلم الله عز وجل شملَ كلَّ شيءٍ قال تعالى :{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}.وهومحيط بكل شيء، {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } ، يعلم الصغيرة والدقيقة كما يعلم الأشياء الكبيرة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:].

الثالث والرابع: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ويتضمنان إثبات صفة الرحمة لله عز وجل إلا أن الرحمن أوسع وأشمل في عموم الرحمة.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر:23].

في هذه الآية ثمانية أسماء﴿الْمَلِكُ﴾ وقال سبحانه: ﴿الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الجمعة:1] .

قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد(2/249) في معنى الملِك: أما الملِك فهو الآمر الناهي،المعز المذل، الذي يُصَرِّفُ أمورعباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء.اهـ

وكل شيء في ملك الله وخاضع لقهره وتدبيره ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:26].
﴿الْقُدُّوسُ﴾: ومعناه (الطاهر)، الطاهر عن المعايب والنقائص. وذكر الله هذا الاسم في موضعين في سورة الحشر، وفي سورة الجمعة. وفي صحيح مسلم (487) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».

﴿السَّلَامُ﴾: لم يُذْكَر في القرآن إلا في هذا الموضعٍ .ومعنى اسم الله السلام أي: أن الله سالم من العيوب والنقائص ،ويسلِّم غيره من الشر والمصائب.

﴿الْمُؤْمِنُ﴾: ولم يرد اسم الله المؤمن في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع .

واسم الله المؤمن تكلم أهل العلم على ما تضمنه من المعنى .

قال ابنُ الأثير في النهاية: فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُؤْمِن» هُوَ الَّذِي يَصْدُق عبادَه وعْدَه: فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ:التَّصديق.

أَوْ يُؤَمِّنُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ مِنَ الأَمَان، والأَمْن ضِدُّ الْخَوْفِ.اهـ.

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة الحشر: {المُؤمِنْ}: أَيِ الْمُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ بِإِظْهَارِ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِمْ .

وَمُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ .

وَمُصَدِّقُ الْكَافِرِينَ مَا أَوْعَدَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ.

وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُؤْمِنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ عَذَابِهِ وَيُؤْمِنُ عِبَادَهُ مِنْ ظُلْمِهِ، يُقَالُ: آمَنَهُ مِنَ الْأَمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ  } [قريش: 4] فَهُوَ مُؤْمِنٌ .
وَقَالَ مجاهد: المؤمن الذي وحَّد نفسه بقول:{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ } [آل عمران: 18] .
وقال ابن قتيبة في غريب القرآن ص 10 في ذكر معاني مؤمن : وقد يكون "المؤْمن" من الأمَان أي: لا يأمَنُ إلا من أَمَّنَه الله . اهـ.
فهذه عدَّةُ معاني لهذا الاسم .

فعلى المؤمن أن يكون مطمئنا مرتاح البال ولا يسيء الظن بالله لأن من أسماء الله المؤمن،وأن يعلِّقَ قلبه بربه وليس بالمخلوقين لأن الأمان بيده سبحانه ،الأمان من الفتن ،الأمان من الفقر ، الأمان من الظلم في الدنيا والأخرى وتوفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون ،الأمان عند سكرات الموت ، الأمان من الأعداء ،الأمان من الضرر ،الأمان يوم الفزع الأكبر ، الأمان من العذاب ومن دخول النار ،فالله عزوجل أعطى عبده المؤمنَ أمانًا فليثق بربه ويسلك طريق النجاة.
﴿الْمُهَيْمِنُ﴾: بمعنى الشاهد أي: أن الله شهيد على خلقه ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[المجادلة:6]. أي: مطلع على أعمالهم.

﴿الْعَزِيزُ﴾: وله ثلاثة معاني: (عزة امتناع، عزة قهر وغلبة، عزة قوة)

وهو العــزيز فلن يُرامَ جنـــابُه  ***  أَنَّى يرامُ جنابُ ذي السُّلطَان

وهو العــزيزُ القـاهـرُ الغــلَّاب  ***  لم يغلِبْه شيءٌ هذه صِفتــــان

وهو العزيزُ بقوَّةٍ هي وصفُــــه  ***  فالعـــزُّ حينئذٍ ثلاثُ معـــــان

وهي التي كمُلت له سبحــــــانه  ***  من كل وجهٍ عادمِ النُّقْصـــان

﴿الْجَبَّارُ﴾: قال الإمام السعدي في تفسيره (854): الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق، الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير.

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته 209

وكَذلكَ الجَبَّارُ في أَوْصافِهِ ... والجَبْرُ في أَوْصَافِه نَوْعَانِ

جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قد غَدَاَ ... ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ

والثَّاني جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذي ... لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ

ولَهُ مُسَمَّىً ثَالِثٌ وَهُوَ العُلُـ ... ـوَ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ

مِنْ قولهم جَبَّارةٌ للنَّخْلَةِ العُلْيَا ... التي فاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ

وفي كلام  ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل 121 ما يفسِّر هذه الأبيات يقول رحمه الله:فالجبار في صفة الرب سبحانه ترجع إلى ثلاثة معان الملك والقهر والعلو فإن النخلة إذا طالت وارتفعت وفاتت الأيدي سميت جبارة. ولهذا جعل سبحانه اسمه الجبار مقرونا بالعزيز والمتكبر وكل واحد من هذه الأسماء الثلاثة تضمن الاسمين الآخرين وهذه الأسماء الثلاثة نظير الأسماء الثلاثة وهي الخالق البارئ المصور فالجبار المتكبر يجريان مجرى التفصيل لمعنى اسم العزيز كما أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق فالجبار من أوصافه يرجع إلى كمال القدرة والعزة والملك ولهذا كان من أسمائه الحسنى .اهـ.

وفي سنن أبي داوود (873) من حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً. والحديث في الصحيح المسند للوادعي(1031).

والجبارمن خصائص ربِّ العالمين .

قال تعالى :{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}.

وقال تعالى:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }.

قال ابنُ القيم في شفاء العليل 121: وأما المخلوق فاتصافه بالجبار ذم له ونقص ثم ذكر بعض الأدلة منها قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار} أي مسلط تقهرهم وتُكْرِههم على الإيمان.اهـ.

وفي صحيح البخاري(4850) وصحيح مسلم (2846)  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ:

أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا "


﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾: قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره (854): الذي له الكبرياء والعظمة، المتنزه عن جميع العيوب والظلم والجور.

وصفة الكبرياء من خصائص رب العالمين.

أخرج مسلم (2620) عن أبي سعيدٍ الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قَالَا:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ.


﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر:24].

﴿الْخَالِقُ﴾: فيه إثبات صفة الخلق لله عز وجل.

﴿الْبَارِئُ﴾: يفيد إثبات صفة البرء لله عز وجل.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (8/80) عند تفسير هذه الآية: الْخَلْقُ: التَّقْدِيرُ، وَالْبَرَاءُ: هُوَ الْفَرْيُ، وَهُوَ التَّنْفِيذُ وَإِبْرَازُ مَا قَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ إِلَى الْوُجُودِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَّرَ شَيْئًا وَرَتَّبَهُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِهِ وَإِيجَادِهِ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّاعِرُ يَمْدَحُ آخَرَ:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ       وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

أَيْ: أَنْتَ تُنَفِّذُ مَا خَلَقْتَ، أَيْ: قَدَّرْتَ بِخِلَافِ غَيْرِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مَا يُرِيدُ. فَالْخَلْقُ: التَّقْدِيرُ. وَالْفَرْيُ: التَّنْفِيذُ. وَمِنْهُ يُقَالُ : قَدَّرَ الْجَلَّادُ ثُمَّ فَرَى، أَيْ: قَطَعَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ بِحَسَبِ مَا يُرِيدُهُ.اهـ.

والأسماء الثلاثة (الخالق، البارئ، المصور) متقاربة في المعنى .

﴿الْمُصَوِّرُ﴾: من أسماء الله عز وجل، وفيه إثبات صفة التصوير لله عز وجل، قال سبحانه:﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر:64]. وقال الله عز وجل: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾[الإنفطار:8]. والله سبحانه هو المنفرد بالتصوير، فلا يجوز تصوير ذوات الأرواح.
﴿الْحَكِيمُ﴾: آخر هذه الأسماء الحُسْنى في هذه السورة الحكيم ،والحكيم يتضمن إثبات صفة الحكمة لله عز وجل ،والحكمة وضع الشيء في موضعه.