جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 31 مارس 2016

(17) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ

                       عظام الميتة

قال تعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْييِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ  قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس:78-79].
(رَمِيمٌ) أي :بالية .
استُدِلَّ بهاتين الآيتين على مسألةٍ فقهيةٍ أنَّ العظام لها حياة ،وأنها تنجس بالموت . ﴿ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني(1/54):  وَمَا يَحْيَا فَهُوَ يَمُوتُ؛ وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْحَيَاةِ الْإِحْسَاسُ وَالْأَلَمُ، وَالْأَلَمُ فِي الْعَظْمِ أَشَدُّ مِنْ الْأَلَمِ فِي اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ، وَالضِّرْسُ يَأْلَمُ، وَيَلْحَقُهُ الضِّرْسُ، وَيُحِسُّ بِبَرْدِ الْمَاءِ وَحَرَارَتِهِ، وَمَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ يَحِلُّهُ الْمَوْتُ؛ إذْ كَانَ الْمَوْتُ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ، وَمَا يَحُلُّهُ الْمَوْتُ يَنْجُسُ بِهِ كَاللَّحْمِ.
قَالَ الْحَسَنُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، لَمَّا سَقَطَ ضِرْسُهُ: أُشْعِرْت أَنَّ بَعْضِي مَاتَ الْيَوْمَ .اهـ.
ولقول الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]. قالوا وَالْعَظْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا.
وهذا هو المشهور عن الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد .
ورجحه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/94).
وذهب أبوحنيفة ومالك وأحمد في روايةٍ عنهما . واختاره شيخ الإسلام في مجموع فتاواه (21/97)وتلميذه ابن القيم إلى طهارة عظام الميتة إذ لا دليل على نجاستها، والأصل الطهارة .
ولما أخرج البخاري (3320)عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً».
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (4/102):هذا الحديث دَلِيلٌ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ جِدًّا عَلَى أَنَّ الذُّبَابَ إِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ عُدِّيَ هَذَا الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنَّحْلَةِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، إِذِ الْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَيَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، فَلَمَّا كَانَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ هُوَ الدَّمُ الْمُحْتَقِنُ فِي الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَفْقُودًا فِيمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ عَظْمِ الْمَيْتَةِ: إِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فِي الْحَيَوَانِ الْكَامِلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ، وَعَدَمِ الصَّلَابَةِ، فَثُبُوتُهُ فِي الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ عَنِ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ وَاحْتِقَانِ الدَّمِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى.اهـ.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(12/100): فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَكُونُ تَارَةً لِوُجُودِ الدَّمِ وَتَارَةً لِفَسَادِ التَّذْكِيَةِ كَذَكَاةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالذَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ.وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالظُّفْرُ وَالظِّلْفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ مَسْفُوحٌ فَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ قَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَمْتَشِطُونَ بِأَمْشَاطِ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ .اهـ.
فاستدلَّ بحديث الذباب من قال بطهارة عظام الميتة لأنه ليس فيها رطوبة ولادم فهو كميتة ما لا نفس له سائلة .
وأجابوا عن إثبات الحياة للعظام وأنه يحس ويتألَّم أنها حياة تابعة ليست مستقلة ،حياة العظام تابعةٌ لغيره .
وعن الاستدلال بتحريم الميتة أن العظام لا تدخل في الآية .

وتنظر المسألة في فتح الباري تحت رقم (235).