جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 27 مارس 2016

الدرس الثاني من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري .


قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
7373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟»، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟»، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ».
**********************
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ)
وهو بندار، لُقب بذلك لسعة حفظه. ويقال عنه هو ومحمد بن المثنى كانا كفرسَي رِهان . قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط : يُضْرَبُ لاثْنينِ يَسْتَبِقانِ إلى غايَةٍ فَيَسْتَوِيانِ. وهذا التَّشْبيهُ في الابتِداءِ، لأنَّ النِّهايَةَ تُجَلِّي عن السَّابِقِ لامَحالَةَ.اهـ.

أي: أنهما متسابقان في الحفظ والإتقان والفضل كالفرسين المتسابقين . والإمام مسلم رحمه الله تعالى إذا روى عنهما فإنه يقدم محمد بن المثنى؛ فيقول: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار.
(حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ)
هو محمد بن جعفر، ربيب شعبة بن الحجاج.
قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله في «العلل» (1/1301):
قال غندر: لزمت شعبة عشرين سنة.
وأخرجه الفسوي رحمه الله في «المعرفة والتاريخ» (2/21) من طريق أبي عبدالله يعني: أحمد ابن حنبل قال: سمعت غندر يقول: لزمت شعبة عشرين سنة لم أكتب فيها عن أحد غيره.

هذه المدة لازم فيها غندر شيخه شعبة. وبطول المدة يتمكن الطالب من أخذ علم شيخه في كثير منه - إذا صحبه توفيق من الله تعالى - وقد قال الإمام عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى في «زوائد العلل» (2/124):
حَدثنِي عبيد الله القواريري قَالَ قَالَ لي عبد الرَّحْمَن بن مهْدي كُنَّا عِنْد شُعْبَة ومعنا غنْدر فَحدث شُعْبَة بِحَدِيث فَقَالَ غنْدر هَكَذَا وَمد عُنُقه يستمع فَقَالَ لَهُ شُعْبَة مَقَتك قد سمع حَدِيثي كُله وَانْظُر كَيفَ ينظر.
وقد شهد شعبة لتلميذه محمد بن جعفر بهذه الشهادة: (قد سمع حَدِيثي كُله) فمعناه أنه استفاد كثيرا من شعبة بن الحجاج لكثرة ملازمته له.
وهذا من حرص السلف على العلم ، مدّ عنقه رحمه الله تعالى لئلا يفوته شيء، هذا من همَّة السلف، همتهم تحصيل العلم النافع، لم تكن قلوبهم متفرقة ،أو منصرفة إلى  دنيا فانية.
وسمعت الشيخ الوالد مقبل الوادعي رحمه الله تعالى يقول: الذي يلازمني يعرف بأي شيء أستدل في الموضوع، وبماذا أُجيب في المسألة.

(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)
وهو ابن الحجاج بن الورد، أبو بسطام أمير المؤمنين في الحديث. قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى في «الجرح والتعديل» (1/126): يعني فوق العلماء في زمانه.
ومن الآثار عنه رحمه الله تعالى . أخرج  يوسف بن عبدالله بن عبدالبر رحمه الله في «جامع بيان العلم وفضله» (1/386)من طريق أبي مسلم عبدالرحمن بن يونس، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت شعبة يقول: (مَن طَلَبَ الْحَدِيثَ أَفْلَسَ).
وهذا أثر حسن، من أجل أبي مسلم عبدالرحمن، وهو المستملي؛ فإنه صدوق طعنوا فيه للرأي.
وذلك لأنه يُشغل بالعلم عن المكاسب، وهذا من الأمور التي تعين على الحفظ والتحصيل ؛ التقليل من الدنيا.
أخرج البخاري (118) ومسلم (2493) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى قَوْلِهِ {الرَّحِيمُ} [البقرة: 160] إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ ".
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ وَفِيهِ أَنَّ التَّقَلُّلَ مِنَ الدُّنْيَا أَمْكَنُ لِحِفْظِهِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ التَّكَسُّبِ لِمَنْ لَهُ عِيَالٌ، وَفِيهِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ من فَضِيلَة إِذا اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ وَأُمِنَ مِنَ الْإِعْجَابِ .اهـ.
(عَنْ أَبِي حَصِينٍ)
قال الحافظ  في «فتح الباري»: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ. اهـ. وهذا من الأسماء المشتبهة ،ومن باب المؤتلف والمختلف، حَصين قد يشتبه بـ «حُصين». بضم الحاء.
(وَالْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الشرح: هُوَ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيُّ وَأَبُوهُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اسْمِهِ.
(عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ)
معاذ بن جبل صحابي جليل ومن حفظة القرآن الكريم. وأرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أخذ القرآن منه. أخرج البخاري (3548) ومسلم (2464) عن مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ».
وهذا يفيد الحث على تلقي القرآن من أهله، من الحاذقين المتقنين للقرآن الكريم.
وقد جاء عن غير واحد من السلف التحذير من الأخذ عن الصُحُفِي والمُصْحَفِي  .
أخرج ابنُ أبي حاتم في«الجرح والتعديل» (2/31): عن سليمان بن موسى قال: لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ.
«لا تأخذوا العلم عن صُحُفي» الذي يأخذ العلمَ من الكتب فقد يخطئ في الفهم، وقد يقع في التصحيف.
« ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ » وهوالذي يأخذ القرآن من المصحف تلقائيا من نفسه.
ومن نعمة الله سبحانه وتعالى أخذ العلم عن أهله المتقنين، ولا سيما أخذ العلم عن الكبار. فهذا أكثر نفعًا؛ وأبعد عن الزلل . ولهذا شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى يقول: خذوا العلم من المشهورين .أخرجه ابن أبي حاتم في«الجرح والتعديل» (2/28) .والأثر حسن .
(يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ)
أي: أتعلم ما حق الله على العباد.
(أَنْ يَعْبُدُوهُ)
 أي: يطيعوه كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وكما قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]
العبادة لغة: التذلل، يقال طريق معبد أي مذلل.
وشرعاً: قال شيخ الإسلام: هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ كما في «الفتاوى الكبرى لابن تيمية» (5/ 154) .
(وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
الشرك بالله سبحانه وتعالى قسمان: شرك أكبر وشرك أصغر.
الشرك الأكبر: مساواة غير الله بالله سبحانه فيما هو خاص بالله سبحانه وتعالى. كما قال سبحانه عن أهل النار ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) [الصافات].
والشرك الأصغر: مثل الحلف بغير الله سبحانه إذا لم يعتقد تعظيم المخلوق كتعظيمه لله أو أشد هذا يكون شركاً أصغر. أما لو اعتقد تعظيم المخلوق كما يعظم الله سبحانه وتعالى هنا ساواه بالله (أوأشد) من تعظيمه لله يكون شِرْكاً أكبر.
 قال الشوكاني رحمه الله تعالى في «نيل الأوطار»(4/102) شرح حديث علي ابن أبي طالب من كتاب الجنائز « وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ.»...إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَاجِرًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: احْلِفْ بِشَيْخِك وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ. وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. اهـ.
إذن إذا عظّمه كتعظيمه لله سبحانه أو أشد يكون شركاً أكبر والعياذ بالله. ومن أمثلة الشرك الأصغر يسير الرياء. والشرك الأصغر خطير فهو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر. فتعلم التوحيد يجنبنا الوقوع في الشرك جنبنا ربي الشرك به سبحانه.
- من فوائد الحديث:
1- إلقاء العلم بصيغة السؤال. وفائدة هذا التنبيه لما يقال حتى يسمع ويصغي. قد يكون غافلا غير منتبه، فإذا نبَّهه فإنه يستعد لما يلقى إليه، ولما يقال له.
وبوّب الإمام البخاري رحمه الله تعالى في «صحيحه» في كتاب العلم «بَاب طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ» (62)  ثم ذكر حديث ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ» قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ». وأخرجه مسلم (2811).
وهذا من حسن التعليم؛ إلقاء المسألة بصورة سؤال.
وذات مرةٍ كنت في جلسة مع الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى وألقى بعض الأسئلة فلم نُجِب فقلت له: الأسئلة فوق مستوانا. فابتسم - رحمه الله تعالى - وقال: هذا من باب إلقاء العلم على صورة سؤال وأشارإلى هذا الحديث «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ».
فهذا الحديث له تعلق بآداب التعليم، والله تعالى أعلم.
2- عدم القول على الله بغير علم. وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]. لا تقف: أي: لا تقل ولا تتبع.
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدة مواطن إذا سُئل يسكت عن الإجابة حتى يأتيَه الوحي. ومن هذا ما جاء في «صحيح البخاري» (125) وصحيح مسلم (2794) عن عبد الله بن مسعود قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَرِبِ المَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ يَا أَبَا القَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ، قَالَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
وهذا من الأدب مع الله عز وجل؛ ألا نتكلم بغير علم.
وأخرج الفسَوِي في «المعرفة والتاريخ» (1/490): من طريق عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا فَقَالَ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا ظُهُورَنَا لَكُمْ جُسُورًا فِي جَهَنَّمَ أَنْ تَقُولُوا أَفْتَانَا ابْنُ عُمَرَ بِهَذَا».
وذلك لما في الفتوى بغير علم ولا تحري من الخطر.
أخرج إسحاق بن راهويه«في مسنده » (1/340) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ أَفْتَى فُتْيَا بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ فَإِنَّ إِثْمَهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» . وهو في «الصحيح المسند» للوادعي (1336).
لكن هنا تنبيه كان والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى ينبه عليه ويقول: لا تقل قد جعلتها في رقبة عالم،والواجب عليك أن تتثبت، وقد كان الأعرابي يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. اهـ.
و بعض الناس يفرح حتى ولو تبين له خطأ المفتي يقول قد أفتانا فلان لذا يقول رحمه الله تعالى: لا تقل قد جعلتها في رقبة عالم. الواجب علينا أن نتثبت في أمور ديننا.
ومما جاء عن السلف في السكوت عن الشيء الذي لا يعلمه.
أخرج الآجري في «أخلاق العلماء» (100) من طريق أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَبي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَجْلَانَ قَالَ: «إِذَا أَغْفَلَ الْعَالِمُ: لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ».
 يعني: أنه يعرِّضُ نفسه للهلكة من ترك لا أدري، وتجرَّأ على الفتوى بغير علم .
وأخرج أبو زرعة الدمشقي رحمه الله في «تاريخه» (1018) من طريق الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي.
المسائل ثمانٍ وأربعون و لم يُجِبِ الإمام مالك عن اثنتين وثلاثين، يكون أجابه في ستة عشر سؤالاً. هذا هدي السلف السكوت عما لا يعلمون.
وأخرج عبد الرحمن بن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (1/ص18) من طريق عبد الرحمن بن مهدي يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر، حمَّلني أهلُ بلادي مسألة أسألك عنها. قال: فسل، قال: فسأل الرجل عن أشياء فقال: لا أحسن، قال: فقُطع بالرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كلَّ شيء قال: وأي شيء أقول لأهل بلادي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك بن أنس: لا أُحسن.
وأخرج يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (1/655) من طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ يَقُولُ: «يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِثَ جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ «لَا أَدْرِي»، حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَمَّا لَا يَدْرِي قَالَ: لَا أَدْرِي».
والآثار كلها ثابتة ذكرتها ولله الحمد في «الجامع الصحيح في العلم وفضله».
الإمام النووي رحمه الله في مقدمة «المجموع» (1/60) يقول: بعد أن ذكر: أنه إذا سئل عن شئ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ عَرَضَ فِي الدَّرْسِ مَا لَا يَعْرِفُهُ فَلْيَقُلْ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ لَا أَتَحَقَّقُهُ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ ذَلِكَ
قال: وَلْيَعْلَمْ أَنَّ مُعْتَقَدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ قَوْلَ الْعَالِمِ: «لَا أَدْرِي» لَا يَضَعُ مَنْزِلَتَهُ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ مَحَلِّهِ وَتَقْوَاهُ وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ الْمُتَمَكِّنَ لَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ مَسَائِلَ مَعْدُودَةً بَلْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ: «لَا أَدْرِي» عَلَى تَقْوَاهُ وَأَنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي فَتْوَاهُ. وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ «لَا أَدْرِي» مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَقَصُرَتْ مَعْرِفَتُهُ وَضَعُفَتْ تَقْوَاهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ لِقُصُورِهِ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ الْحَاضِرِينَ وَهُوَ جَهَالَةٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ يَبُوءُ بِالْإِثْمِ الْعَظِيمِ وَلَا يَرْفَعُهُ ذَلِكَ عَمَّا عرف له من المقصور بل يستدل به على قصوره لأنا إذَا رَأَيْنَا الْمُحَقِّقِينَ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ: «لَا أَدْرِي» وَهَذَا الْقَاصِرُ لَا يَقُولُهَا أَبَدًا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَتَوَرَّعُونَ لِعِلْمِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ وَأَنَّهُ يجازف لجهله وقلة دينه فوقع فيما فر عنه وَاتَّصَفَ بِمَا احْتَرَزَ مِنْهُ لِفَسَادِ نِيَّتِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ: وَفِي «الصَّحِيحِ» عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابس ثوبي زور». اهـ.
والقول على الله عز وجل بغير علم من التكلف وقد قال تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص :86]. والله المستعان.
3- قول الصحابة «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» فيما لا يعلمون.
وزيادة (ورسوله) استفدت من والدي رحمه الله تعالى (أن هذا خاص بزمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خاص بالصحابة. قال: أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقال: الله أعلم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حي في قبره حياة برزخية الله أعلم بحقيقتها. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في الذين يؤخذ بهم إلى الشمال فَأَقُولُ: «... يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، مَا دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ ﴿شَهِيدٌ [المائدة:117] فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» أخرجه البخاري (4625) ومسلم (2860) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذه فائدة أنه يقتصر على (الله أعلم) ولا يضاف (ورسوله) لأن هذا خاص بزمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
4- أن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
5- إثباتُ حقٍ للعباد على الله سبحانه وتعالى؛ وهو ألا يعذب سبحانه من لا يشرك به شيئاً.
والأدلة التي فيها إثبات حق للعباد على الله سبحانه مثل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وفي سورة يونس ﴿كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [يونس:103] وحديث معاذ هذا.
هذا الحق هو تفضل من الله سبحانه ومنَّة وإحسان. وإلا فالعباد ليس لهم حق على الله سبحانه كما يجب للمخلوق على المخلوق، هذا قول أهل السنة والجماعة.
فإذا قال القائل: للعبد حق على الله عز وجل باعتبار ما وعد الله به فهذا القول صحيح، باعتبار ما وعد الله به من النجاة من النار والفوز بالجنة والنصرللمؤمنين ونحو ذلك فهو بهذا المعنى صحيح لأن الله سبحانه لا يخلف وعده ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9] ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].
قال شيخ الإسلام كما في «مجموع فتاواه» (1/217): مَنْ قَالَ: بَلْ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِوُقُوعِهِ فَإِنَّ اللَّهَ صَادِقٌ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحِكْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمته. اهـ.
وإذا قال القائل: ليس للعبد حق على الخالق باعتبار ما يجب للمخلوق على المخلوق، فهذا صحيح.
قال شيخ الإسلام كما في «مجموع فتاواه» (1/214): مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا يَجِبُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا يَظُنُّهُ جُهَّالُ الْعُبَّادِ مِنْ أَنَّ لَهُمْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَقًّا بِعِبَادَتِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلِيَّةَ تَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَصِيرُ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ مِنْ جِنْسِ مَا يَصِيرُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ كَاَلَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُلُوكَهُمْ وَمُلَّاكَهُمْ فَيَجْلِبُونَ لَهُمْ مَنْفَعَةً وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ مَضَرَّةً وَيَبْقَى أَحَدُهُمْ يَتَقَاضَى الْعِوَضَ وَالْمُجَازَاةَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ جَفَاءٍ أَوْ إعْرَاضٍ يَرَاهُ مِنْهُ: أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. وَتَخَيُّلُ مِثْلِ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَهْلِ الْإِنْسَانِ وَظُلْمِهِ وَلِهَذَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] وقَوْله تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]. اهـ المراد.
أما قوله عز وجل: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل:32]. فالباء سببية، أي: بسبب أعمالكم ،فقد جاء في  «صحيح مسلم» (2816) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْتَ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ». 
قال شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى» (1/217): قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» لَا يُنَاقِضُ قَوْله تَعَالَى ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ نُفِيَ بِبَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ كَمَا يُقَالُ بِعْت هَذَا بِهَذَا وَمَا أُثْبِتَ أُثْبِتَ بِبَاءِ السَّبَبِ فَالْعَمَلُ لَا يُقَابِلُ الْجَزَاءَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ. اهـ.
أقسام الناس في مسألة إثبات حقٍ للعبد على ربه:
قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (2/322): وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثُ فِرَقٍ. فِرْقَةٌ: رَأَتْ أَنَّ الْعَبْدَ أَقَلُّ وَأَعْجَزُ مِنْ أَنْ يُوجِبَ عَلَى رَبِّهِ حَقًّا. فَقَالَتْ: لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ. وَأَنْكَرَتْ وُجُوبَ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِرْقَةٌ: رَأَتْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أُمُورًا لِعَبْدِهِ. فَظَنَّتْ أَنَّ الْعَبْدَ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ سَبَبًا لِهَذَا الْإِيجَابِ. وَالْفِرْقَتَانِ غَالِطَتَانِ. وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: أَهْلُ الْهُدَى وَالصَّوَابِ، قَالَتْ: لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ بِسَعْيِهِ نَجَاةً وَلَا فَلَاحًا. وَلَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، وَلَا يُنْجِيهِ مِنَ النَّارِ. وَاللَّهُ تَعَالَى - بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَمَحْضِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ - أَكَّدَ إِحْسَانَهُ وَجُودَهُ وَبِرَّهُ بِأَنْ أَوْجَبَ لِعَبْدِهِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ حَقًّا بِمُقْتَضَى الْوَعْدِ. فَإِنَّ وَعْدَ الْكَرِيمِ إِيجَابٌ، وَلَوْ بِعَسَى، وَلَعَلَّ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. اهـ المراد.
6- فضل التوحيد وأنه نجاة من عذاب الله عز وجل.
وينبغي أن نعرف أسباب عذاب الله حتى نتجنبها ونتقيها فإن ربنا عز وجل يقول ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].

جعلنا ربي من أهل التوحيد وأعاذنا من غضبه وعذابه سبحانه.