جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 27 مارس 2016

(35)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                     
                           ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾

 ثبت في صحيح البخاري (4563) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].

(حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم حين ألقي في النار فكانت عليه بردًا وسلاما .

وقالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجعل كيد عدوه هباءً منثورًا.

فهذه الكلمة كلمة عظيمة بالغةُ الأثر .

معنى (حسبنا الله ونعم الوكيل)، حسبنا الله: أي: كافينا الله، الحسب الكافي. ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر:36]. ونعم الوكيل: نعم الحفيظ و الموكول إليه الأمور.
 قال البغوي رحمه الله في تفسيره (2/ 138): " {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} أَيْ: كَافِينَا اللَّهُ، {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أَيِ: الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (7/ 204)أَي: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِينَا كُلَّنَا.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية :أَيْ كَافِينَا اللَّهُ. وَحَسْبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْسَابِ، وَهُوَ الْكِفَايَةُ.
وقال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره : "(وقالوا حسبنا الله) أي: كافينا كل ما أهمَّنا (ونعم الوكيل) المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم".وبنحوه يقول الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين .

استفدنا معنى (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) وأنها كلمةٌ معناها الاستعانة بالله والالتجاء إلى الله والتوكل عليه، وليس معناها الدعاء. وإذا نوى قد تكون له نيته ،ولكن الأصل ليست دعاء.

هذه الكلمة تقال عند الشدائد، عند الأذى، عند الكُربة، عند الحزن، عند الشدة، الظلم ،المرض، تقال أيضًا في جلب الخيروالنِّعَم، قال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة:59]. وقد تقولها الأم لأولادها وتقصد الاستعانة بالله على صلاح الأولاد واللطف من عنده تعالى.
 ويجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه . والأَولى أن يقتصر على (حسبنا الله ونعم الوكيل) أو (الله المستعان). قال يعقوب عليه السلام: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف:18]. ومثل: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فهذا هو الأولى .وأما الجواز فيجوز أن يدعو المظلوم على ظالمه، قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء:148]. ويدخل فيه الدعاء.
وأخرج البخاري في صحيحه (755) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ «فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ»، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ .
( لا يسير بالسرية) أي: لا يسير مع الجيش ،وصفه بالجبن.
وفي صحيح مسلم (1610) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ: " فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا " .
وسعد ابن أبي وقاص وسعيد بن زيد أحد  رضي الله عنهما من المبشرين بالجنة .
«اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» الحذر من الظلم. ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه:111]. ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام:21].
وثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ، وَلَا مَالٍ» .أخرجه أحمد في مسنده(14057) .

(فِي دَمٍ) قتل النفس التي حرم الله. (وَلَا مَالٍ) أخذ أموال الناس بالباطل.

من نجا من الشرك، وحافظَ على صلاته ،ومَن نجا مِنْ ظُلم المسلمين في أعراضهم وأموالهم ودمائهم فهو على خير.