جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 28 مارس 2016

(12) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

                 
              

اختصارُ درسِ التاسع عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

*غزوة الخندق: ويقالُ لها غزوة الأحزاب. وكان فيها ابتلاء شديد للمؤمنين، وإظهار ما يبطنه ويسره المنافقون،قال تعالى { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) }. وقد بيَّن سبحانه حكمة الابتلاء لهم فقال : ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. ثم عقبَ ذلك أنزل الله نصره للمسلمين، وردَّ الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شرَّ كيدهم، وذلك بفضله ومَنِّه.
* وقد كان للكفار بعض الغزوات إلى المدينة لمحاربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فقد جاؤوا في غزوة أُحد إلى حول المدينة ،وجاؤوا يوم الأحزاب ثم بعد ذلك حرم الله على الكفار شرعًا وقدرًا أن يغزوا المؤمنين إلى المدينة بعد غزوة الأحزاب كما في صحيح البخاري(4110) عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ».
* السَّنَة التي  كانت فيها غزوة الخندق: اختلفوا على قولين:
أحدهما: قول أهل المغازي والسير: أن غزوة الخندق سنة خمس. وهذا رجحه ابن كثير رحمه الله في كتابه الفصول وقال: (والدليل على ذلك أنه لا خلاف أن أحداً كانت في شوال من سنة ثلاث، وقد تقدم ما ذكره أهل العلم في المغازي أن أبا سفيان واعدهم العام المقبل بدراً، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فأخلفوه لأجل جدب تلك السنة في بلادهم، فتأخروا إلى هذا العام) فابن كثير يقول: كانت غزوة أحد في السنة الثالثة، وأبو سفيان قال: بيننا موعد بدر في العام القابل، وفي السنة الرابعة خرجوا ثم رجعوا في أثناء الطريق، وهذا دليل على أن غزوة الخندق ليست في السنة الرابعة ولكنها في السنة الخامسة.
والقول الثاني: قول أبي محمد بن حزم وهو قول موسى بن عقبة أنها كانت سنة أربع لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني»متفق عليه . ولكن الحافظ ابن كثير رحمه الله يرد هذا بأمرين:
الأول: أن المراد بحديث ابن عمر السنة التي يُجَاز فيها الغلمان الدخول في المعركة، فلا ينفي الزيادة على خمسة عشر.
الجواب الثاني: أن عبد الله بن عمر كان يوم أحد في أول الرابعة عشر ويوم الخندق في آخر الخامسة عشر. وعلى هذا يكون هناك سنتان بينهما. لكن قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عن الجواب الثاني : وفي هذا نظر. وذكر هذا أيضًا ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد».
* الحروب ابتلاء وتحتاج إلى قوَّة وصبر وشجاعة، ولهذا أنكرغيرُ واحد من الصحابة على من تمنى أنه أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقاتل معه فإنه قد لا يصبر على الابتلاءات، وقد يكون من المعاندين المخالفين للدين.
*سبب غزوة الخندق: أن نفرًا من بني النضير الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة في غزوة بني النضير قاموا بالتحريض على محاربة المسلمين، فخرجوا إلى قريش وإلى غطفان فأجابوهم ووعدوهم النصر، فلما سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك أمر بحفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي، فبادروا إلى حفر الخندق.
* عدد المسلمين في غزوة الخندق: ثلاثة آلاف على الصحيح، ورُفِع النساء والذراري  إلى حصون المدينة لئلا يصل إليهم المشركون. واستخلف على المدينة ابنَ أم مكتوم رضي الله عنه.
* إظهار عدة معجزات للنبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الخندق. والمعجزات يهتدي أناس كثير من الكفار بسببها، ويزدادُ المؤمن بها إيمانًا، ومنها:
  في «صحيح البخاري» عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ». ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ، أَوْ أَهْيَمَ». ضربَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  الكُدية التي عرضت فعادت كثيبًا، وقد كان عجز عنها الصحابة.
 - وأيضا حديث جابر رضي الله عنه فيه تكثير الطعام القليل، فإن جابر رضي الله عنهما رأى حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما أصابه من الجوع حتى إنه عصب على بطنه ،ولم يذوقوا ثلاثة أيام شيئًا، فاستأذن وذهب إلى امرأته وكان عندهم بعض الطعام فرجع، وقال: «طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ». فذهب رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته وعددهم ثلاثة آلافٍ رضي الله عنهم فأكلوا منه فلم يقوموا حتى شبعوا وبقي منه بقيَّة فقال لامرأة جابر (كلي وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة )وهذه بركة من الله..
 - في «صحيح البخاري» عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» وحصل كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما غزا المشركون المدينة بعد غزوة الأحزاب .
 - في «صحيح مسلم» في قول حذيفة رضي الله عنه عندما بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليعرف خبر الكفار: «فَلَمَّا وَلَّيْت مِنْ عِنْده جَعَلْت كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّام حَتَّى أَتَيْتهمْ». قال القرطبي رحمه الله في «المفهم»: أي: لم يصبه شيء من ذلك البرد ببركة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من كراماته، ألا ترى أنه لما فرغ من ذلك العمل أخذه البرد كما كان أول مرة ؟!. اهـ.
 - الريح التي زعزت الكفار، وأرعبتهم، ولم تترك شيئًا يستقر لهم، قال القرطبي في «تفسيره»: وَكَانَتْ هَذِهِ الريح معجزة للنبي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْهَا، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِلَّا عَرْضُ الْخَنْدَقِ، وَكَانُوا فِي عَافِيَةٍ مِنْهَا، وَلَا خَبَرَ عِنْدَهُمْ بِهَا. اهـ.
* نقضَ بنو قريظة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريض من حيي بن أخطب فسُرَّالمشركون بذلك. فصارت جموعهم هائلة وهم قريش، وغطفان، وبنو النضير، وأتباعهم في نحو عشرة آلاف. ثم بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضَ صحابته ليطَّلعوا على خبر بني قريظة هل نقضوا العهد أم لا؟
 * واستأذن بعضُ بني حارثة في الذهاب إلى المدينة، وهَمَّ بنو سلِمة بالفشل، ثم ثبَّت الله كلتا الطائفتين.
* حاصر المشركون المسلمين شهرًا ،وقيل غير ذلك . ولم يكن في غزوة الخندق قتال؛ لأن المسلمين تحصَّنوا في الخندق فكان يحجبهم عن الكفار بإرادة الله وتيسيره ولكن كان هناك ترامي بينهم بالنبال، والحجارة، وتقدم بعض الفوارس إلى الخندق منهم عمرو بن عبد ود فبارزه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله ولما رأى أصحاب عمرو بن عبد ود ذلك رجعوا منهزمين.
* جاء أنه لما طال الحصار واشتد البلاء على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح غطفان، على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة. فاستشار السعدَين في ذلك فقالا: يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة وإن كان شيئاً تصنعه لنا فلا نعطيهم إلا السيف. فصوَّب النبي صلى الله عليه وسلم رأيهما.
* من أسباب ردِّ المشركين وانصرافهم تفرقهم، فقد قام نعيم بن مسعود رضي الله عنه بتفريق كلمتهم، وتخذِيلهم، وأيضًا أرسل الله ريحًا وأنزل عليهم الملائكة ولم تترك الريح شيئًا يستقر لهم من الخيام والأمتعة ولا أي شيء فقالوا النجاء النجاء ،قد آن الرحيلُ. ثم ارتحلوا من ليلتهم. ولما رجع المسلمون إلى المدينة أُمروا بالخروج إلى بني قريظة بسبب ما كان منهم من نقض العهد.

* سورة الأحزاب ذكر الله عز وجل فيها وقعة الأحزاب في تسعة عشر آية من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الأحزاب:9]. إلى قوله سبحانه: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب:27]