بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
قال الإمام أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: بَاب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ "ذُو الْجَلَالِ" الْعَظَمَةِ "الْبَرُّ" اللَّطِيفُ
6957 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .أَحْصَيْنَاهُ حَفِظْنَاهُ
***********************************
(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُو الْجَلَالِ الْعَظَمَةِ
الْبَرُّ اللَّطِيفُ)
هذا أثر عن ابن عباس رضي الله عنه، (ذُو الْجَلَالِ) يفسر الجلال بالعظمة، و(الْبَرُّ) يفسره باللطيف.
وقال ابن الأثير في النهاية: البَرُّ
العطوف على عباده ببرِّه ولطفه.
ويقول ابن القيم رحمه الله:
والبَرُّ في أوْصَافِهِ
سُبحانه هو كَثْرةُ الخَيراتِ والإحْسَانِ
فسَّر ابن القيم رحمه الله في نونيته اسم
الله (البر) بكثرة الخيروالإحسان. فهذا معنى اسم الله (البر) يتضمن صفة كثرة الخير
والإحسان.
وإحسانه سبحانه على نوعين:
- إحسانٌ عام بجميع الخلق، برِّهم وفاجرهم ، في أرزاقهم وصحَّتهم وإعطائهم الولد، ونحو ذلك.
- وإحسان خاص بأولياء الله عز وجل. فمن
إحسان الله إلى أوليائه أن رزقهم الهدى والإيمان، ومن أعظم الإحسان رزقُ العلم
النافع .
ومن إحسانه قبولُ توبة عبده، وتجاوزه عن
المسيء، وستر الذنب عليه.
وبرُّ الله بعباده المؤمنين أكمل وأفضل .
والله عز وجل بَرٌّ يحب البَرَّ من عباده،
ويحب بِر الوالدين، والخُلُق الحسن فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ". من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ
رضي الله عنه عند مسلم (2553).
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ
يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ" الحديث.
البخاري (5743)، مسلم (2607).
ومعرفة
اسم الله (البَر) ومعناه ، يثمر محبة الله عز وجل، والاستكانة، والخضوع، وحسن
الظن بالله ،والتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل الكريم الواسع بسؤال العطاء والبركة
والتوفيق لأنه كثير الخير والإحسان.
ولم يُذكر اسم الله (البر) إلا في موضع
واحد في القرآن الكريم في سورة الطور ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور:28].
(حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ)
وهو الحكم بن نافع، من الثقات. وتلازمه
غالبًا "أخبرنا". وهناك عدد من المحدثين "أخبرنا" ملازمة لهم،
مثل إسحاق بن راهويه. وأهل المصطلح لهم عناية بهذا.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ)
وهو ابن أبي حمزة دينار. كان عسِرًا في
الحديث. قال أبوزرعة الدمشقي رحمه الله في «تاريخه» (1055): أخبرني الحكم بن
نافع، قال: كان شعيب بن أبي حمزة عسرًا في الحديث فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة،
قال: هذه كتبي قد صححتها فمن أراد أن يأخذها فليأخذها، ومن أراد أن يعرض فليعرض
ومن أراد أن يسمعها من ابني فليسمعها فقد
سمعها مني.
وابنه هو بشر بن شعيب.
(عَسِراً فِي الحَدِيْثِ) يعني لا يحدِّث
إلا بحديث أو حديثين ونحو ذلك .هذا أو معناه ما أفادنا به الوالد الشيخ مقبل رحمه
الله .
وقال المعلمي رحمه الله في التنكيل (1/ 445 ):العسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد .اهـ.
فدلَّ هذا أن العُسْرَ في الحديث يدخل فيه
أكثر من معنى .
وقد وُصف جماعة من المحدِّثين بذلك منهم الأعمش
سليمان بن مهران، كان عسرا في الحديث .
وأخرج الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (307) من
طريق حفص بن غياث يقول: قيل للأعمش: لو
حدثتنا فقال: لأن أتصدق بعرق أو رغيف أحب إليَّ من أن أحدثكم بعشرة أحاديث.
هذا أثر صحيح.
(لأن أتصدق بعرق) قال في النهاية :هُوَ
زَبِيلٌ مَنْسوج مِنْ نَسَائج الخُوص، وَكُلُّ شَيْءٍ مَضْفُور فَهُوَ عَرَقٌ
وعَرَقَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا.
وقال البغوي في زوائد الجعديات (781)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ
بْنَ عَيَّاشٍ قَالَ: كَانَ الْأَعْمَشُ إِذَا حَدَّثَ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ
قَالَ: «قَدْ جَاءَكُمُ السَّيْلُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا مِثْلُ
الْأَعْمَشِ .
وهذا إسنادٌ ضعيف.
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هو أبوهشام الكوفي
الرفاعي, ضعيف.ونبقيه لفائدة معرفة حاله .
ومنهم أبو بكر بن عياش ذكر الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» عقب رقم (324): أن أبا
بكر يعني: ابن عياش كان عسيرًا في الحديث.
ومنهم ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن. أخرج البغوي رحمه الله في «زوائد الجعديات» (2857)من طريق علي ابن
المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي ذئب عَسِرًا.
قال علي: قلت: عسرًا قال: أعسر أهل الدنيا
إن كان معك كتاب قال: اقرأه وإن لم يكن معك كتاب فإنما هو حفظ.
قال علي: فقلت ليحيى: فأخبرني عن ابن أبي
ذئب ومن كنت تحفظ عنه، كيف كنت تصنع فيه؟ فقال: أتحفظها وأكتبها.
ومنهم مسعر بن كدام الملقب بالمصحف؛ لإتقانه.
أخرج الخطيب رحمه الله في «الجامع
لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1459) من طريق قبيصة، يقول: سألت مالك بن مغول عن
حديث، فقال: { أَعُوذُ بِالرحْمَنِ مِنْكَ إِن كُنْتَ تقِيَّاً }[مريم:18]؟
قال: فأما مسعر فكان لأن يقلع ضرسه
‑أو كما قال‑ أحب إليه من أن يحدث بحديث.
قال: وما رأيت عنده عشرة قط كانوا
يكونون ستة سبعة. وسنده صحيح .
وقد نبَّه وبيَّن أهل العلم أنه ينبغي
للمعلِّم أن يكون سهلًا سمحًا في تعليمه، والله أعلم.
(حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ)
أبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن.
وهو عبد الله بن ذكوان.
(عَنْ الْأَعْرَجِ)
عبد الرحمن بن هرمز، أخذ القراءة عرضًا
على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما. كما في سير أعلام النبلاء.
وذكر الشخص بلقبه عند الحاجة؛ وذلك
للتعريف به جائز. والممنوع أن يُذكر لغير الحاجة وللتعيير كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات:11].
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) حافظ هذه الأمة المحمدية.
- الحديث متفق عليه.
من فوائد الحديث:
1-
في هذا الحديث إثبات الأسماء الحسنى لله عز وجل، وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ
بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180] وقال: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ
أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء:110].
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .اهـ.
وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من
أسماء الله الحُسنى ، دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
أسماء الله عز وجل
قد تدل على صفة ذاتية، مثل: القوي والحي
والسميع والبصير والعظيم والغني وما أشبه ذلك.
وقد تدل على صفة فعلية مثل: الرزاق فيه إثبات
صفة الرزق، والرحيم فيه إثبات صفة الرحمة .
وقد يدل على صفة ذاتية وصفة فعلية مثل: السلام
فيه إثبات صفة ذاتية وهو أن الله عز وجل سالم من النقص والعيب، ويدل على صفة فعلية
وهي أن الله عز وجل يسلم عباده من الشر والمصائب.
وكاسم الله الرَّب يدل على بعض الصفات
الذاتيةٍ وبعض الصفات الفعلية قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(4/ 132):
الرب هو السيِّد والمالِك والمُنعِم والمُرَبِّي والمُصْلِح والله تعالى هو الرَّبُّ
بهذه الاعتباراتِ كُلِّها .اهـ
ونستفيد من هذا أن الاسم قد يدلُّ على صفات
متعددة فإذا نقص بعض المعاني نقص الاسم عما احتوى عليه.
ومن ذلك الصمد: قيل هو الذي لا جوف له، وقيل هو
السيد، وقيل هو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم. والصمد يشمل هذا كله .
العلي : دالٌ على صفة العلو وهوعلوُّ
الذات وعلو القهر وعلو القدْرِ .
وهذا من القواعد النافعة في باب الأسماء
والصفات التي ذكرها ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 168)قال: من أسمائه الحسنى ما يكون دالا
على عدَّةِ صفات ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناولَ الاسم
الدال على الصفة الواحدة لها قال : وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ففسر
الاسم بدون معناه ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يُحِطْ بهذا علما بخس الاسم الأعظم
حقه وهضمه معناه فتدبره.اهـ.
وإثبات اسم بلا صفة من الإلحاد في أسماء
الله عز وجل .
الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه
وتعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180]
وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله عز
و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله
عزوجل وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء
الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز
وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ
به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً
صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
ولكن أهل العلم يقولون باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود
ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها
دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في
القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير،
اتفقت هذه الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا
للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معان
لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات
من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل
ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال
تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى
(20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة في / بدائع الفوائد لابن القيم
ـ رحمه الله تعالى ـ و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
وتقدم معنا هذا ، وأعدناه لتجديد العهد به
.
2-
ودل الحديث على العناية بأسماء الله عز وجل وصفاته .
وهذا من العلوم العظيمة وهو أحدُ أقسام التوحيد، فالتوحيد أقسام: توحيد
الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
3-
هذا الحديث ليس فيه الحصر لأسماء الله عز وجل، وإنما المراد أن هذه
التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فلا ينفي وجود غيرها.قال ابنُ القيم رحمه
الله في بدائع الفوائد(1/ 167):
والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من
أحصاها دخل الجنة وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها وهذا كما تقول لفلان مائة
مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد
وهذا لا خلاف بين العلماء فيه.اهـ.
ومن الأدلة ما رواه الإمام أحمد (3712،4318) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَصَابَ أَحَدًا
قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ،
ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ
قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ
عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ
اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ
رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا
أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا"، قَالَ:
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى،
يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا".
وعلى هذا جمهور العلماء، أن أسماء الله عز
وجل غير محصورة.
وخالف ابن حزم رحمه الله، وذهب إلى حصر أسماء
الله عز وجل في التسعة والتسعين استدلالًا بحديث الباب وقد ردَّ عليه أهل العلم.
وتكلم أهل العلم على الحكمة من إخفاء هذه
الأسماء وهوأن يجتهد العبدُ المؤمن في البحث عنها فيكتسب أجورًا، ومثله ليلة القدر
أُخْفيت في أي ليلةٍ من شهر رمضان تكون
لحكمةٍ ؛ وهي أن يجتهد الناس في العبادة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم التمسوها وترًا.
أما ما جاء من سرد الأسماء التسعة
والتسعين فهذا حديث رواه الترمذي برقم (3507) من طريق الوليد بن مسلم وقد وهم في رفعها إلى النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
مجموع الفتاوى(6/379) "وَأَمَّا
قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَالْحَدِيثُ الَّذِي
فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ رَوَى الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى
فِي "جَامِعِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهَا ابْنُ
مَاجَة فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مخلد بْنِ زِيَادٍ القطواني؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ
حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ اتَّفَقَ
أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ
لَيْسَتَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا
كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ فَالْوَلِيدُ ذَكَرَهَا عَنْ
بَعْضِ شُيُوخِهِ الشَّامِيِّينَ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ
حَدِيثِهِ". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ
المرام (1368): "وَسَاقَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ الْأَسْمَاءَ،
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سَرْدَهَا إِدْرَاجٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ" .اهـ
وكثرةُ الأسماء تدلُّ على عظمة المُسَمَّى
.
القرآن له أسماء كثيرة ، النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم له أسماءٌ كثيرة . وهذا يدل على عظمة المسمَّى .
4- وفيه الترغيب والبشارة بالجنة لمن أحصى أسماء الله التسعة والتسعين
(مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
5- إحصاء أسماء الله عز وجل بأمور:
1- حفظها. 2- فهم معناها. 3- دعاؤه بها.
حفظها: فالذي ما يحفظها فقط يكتبها، ولا
يحفظها ،لا ينال هذه الفضيلة.
أو يحفظها بدون فهم لمعناها كذلك .
والثالث :دعاؤه بها . وقد ذكر ابن القيم
رحمه الله أن التعبير بالدعاء أولى من عبارة والعمل بها لأنه الموافق للفظ القران
الكريم يقول الله عز وجل: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
قال
رحمه الله في بدائع الفوائد (1/164): في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب
السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال
تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
وهو مرتبتان إحداهما: دعاء ثناء وعبادة
والثاني: دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا
يسأل إلا بها فلا يقال يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في
كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم ومن
تأمل أدعية الرسل ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا.
قال : وهذه العبارة أولى من عبارة من قال:
يتخلَّق بأسماء الله فإنها ليست بعبارةٍ سديدةٍ وهي منتزَعة من قول الفلاسفة
بالتشبُّه بالإله على قدر الطاقة.
وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن برهان وهي التعبد
.
وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي
الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال .
قال: فمراتبها أربعة :أشدها إنكارًا عبارة
الفلاسفة وهي التشبه وأحسن منها عبارة من قال التخلق وأحسن منها عبارة من قال
التعبد وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن .اهـ
دعاء الله بأسمائه نوعان: دعاء ثناء
وعبادة، دعاء مسألة.
- دعاء الثناء والعبادة: مثل التسبيح
والتحميد والتهليل والتكبير، ومثل دعاء الكرب «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ
الكَرِيمِ» متفق عليه.
- ودعاء المسألة: أن يدعوَ الداعي بما
يجلب له النفع، ويدفع عنه الضر.
التعبد بأسماء الله مثلًا من أسماء الله عز وجل العليم الخبير،
فيتجنب المعاصي، ويمتثل أوامر الله عز وجل؛ لأنه يعلم أن الله مطلِّع عليه، هذا
عمل بمقتضى أسماء الله عز وجل.
ومن أسماء الله الرقيب: يخشى الله عز وجل في
السر والعلَن؛ لأن الله مطلِّع عليه.
ومن أسماء الله عز وجل السميع: لا يقول إلا
خيرًا؛ لأن الله عز وجل يسمع كلامه.
ومن أسماء الله عز وجل البصير: لا يفعل
إلا خيرًا؛ لأن الله يراه.
الرحيم : يعمل ما يكون سببا لرحمة ربه
إياه .
التوَّاب : يتوب إلى الله حتى يتوب الله
عليه .
الغفور : يستغفر حتى يغفر الله له ذنوبه .
عرفْنا أن قوله (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)
هذا في ثلاثة أمور: حفظها، فهم معناها، دعاؤه بها .
وهذا يبعث على الاهتمام بمعاني أسماء الله
عز وجل لأنه من أحصاها دخل الجنة، ونسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ ويفقهنا في دينه
.
وكتاب التوحيد من صحيح البخاري فيه خيرٌ
كبيرفي توحيد الأسماء والصفات . وفي كتاب الله عز وجل جملة كبيرة في الأسماء
والصفات ، ومنها سبعة عشر اسمًا في آخر سورة الحشر.
6- وفيه الإيمان بالجزاء الأخروي (دَخَلَ الْجَنَّةَ).
7- واستُدل به على مسألةٍ وهي أنه يقال: (الاسم للمسمَّى)قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/206) قال: وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ:
إنَّ "الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى" كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ
السُّنَّةِ فَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَالَ: {أَيًّا مَا
تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا} "
{وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي خَمْسَةَ
أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ}
" وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.اهـ
وهناك أقوال أخرى في المسألة، ومنها أن
الاسم هو المسمى قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/187):
هَذَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ بَعْدَ
الْأَئِمَّةِ وَأَنْكَرَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهِمْ .
قال شيخ الإسلام 188من هذا الجزء :وَهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّ
اللَّفْظَ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْحُرُوفِ هُوَ نَفْسُ الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بِهِ؛
فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الِاسْمُ
هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ مَنْ قَالَ " نَارٌ " احْتَرَقَ لِسَانُهُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ وَيُشَنِّعُ عَلَيْهِمْ
وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِمْ؛ بَلْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: اللَّفْظُ هُوَ
التَّسْمِيَةُ وَالِاسْمُ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظُ؛ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ
بِاللَّفْظِ؛ فَإِنَّك إذَا قُلْت: يَا زَيْدُ يَا عُمَرُ فَلَيْسَ مُرَادُك
دُعَاءَ اللَّفْظِ؛ بَلْ مُرَادُك دُعَاءُ الْمُسَمَّى بِاللَّفْظِ وَذَكَرْت
الِاسْمَ فَصَارَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى. وَهَذَا لَا رَيْبَ
فِيهِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ الْأَشْيَاءِ فَذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهَا فَقِيلَ:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيمًا} فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُوَ الرَّسُولُ وَهُوَ
الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ إذَا قيل: جَاءَ زَيْدٌ وَأَشْهَدُ عَلَى
عَمْرو وَفُلَانٌ عَدْلٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا تُذْكَرُ الْأَسْمَاءُ
وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسَمَّيَاتُ وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْكَلَامِ. فَلَمَّا كَانَتْ
أَسْمَاءُ الْأَشْيَاءِ إذَا ذُكِرَتْ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ فَإِنَّمَا
الْمَقْصُودُ هُوَ الْمُسَمَّيَاتُ: قَالَ هَؤُلَاءِ: " الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى
" وَجَعَلُوا اللَّفْظَ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ
التَّسْمِيَةُ .اهـ .
وقال رحمه الله (16/323) :وَهَذَا هُوَ
الَّذِي أَرَادَهُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: إنَّ الِاسْمَ هُوَ
الْمُسَمَّى. أَرَادُوا بِهِ أَنَّ الِاسْمَ إذَا دُعِيَ وَذُكِرَ يُرَادُ بِهِ
الْمُسَمَّى. فَإِذَا قَالَ الْمُصَلِّي " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَقَدْ
ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وَمُرَادَهُ الْمُسَمَّى. اهـ المراد .
ومن أهل العلم من منع الكلام في هذه
المسألة؛ لأنه لم يأتِ في ذلك دليل ولم يأت عن الصحابة ولا التابعين الكلام في
هذا، وهذا قول أبي جعفر ابن جرير الطبري في كتابه صريح السنة. وقول إبراهيم الحربي
كما في مجموع الفتاوى وآخرين.
هناك كلام لابن القيم رحمه الله في شفاء
العليل (277) فيه تفصيل يقول:(فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به اللفظ الدال عليه
أخرى فإذا قلت قال الله كذا واستوى الله على عرشه وسمع الله ورأى وخلق فهذا المراد
به المسمَّى نفسه وإذا قلت :الله اسم عربي والرحمن اسم عربي والرحمان من أسماء
الله والرحمان وزنه فعلان والرحمن مشتق من الرحمة ونحو ذلك فالاسم ههنا للمسمى).
هذا التفصيل ذكره ابن القيم رحمه الله،
وهذه طريقة لبعض العلماء.
وهذه إشارة خفيفة في هذه المسألة. ويراجع مجموع
الفتاوى لشيخ الإسلام .
أما الجهمية فإنهم يقولون: الاسم غير
المسمى، ويقصدون أن ما كان غير المسمى فهو مخلوق. وأهل السنة والجماعة على أن
أسماء الله عز وجل غير مخلوقة لأنها تابعة للذات. والله أعلم.