تابع/ سلسلة الفوائد..
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ،
أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ،
قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ،
وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ
آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ،
وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ
وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ».
لم يبيَّن في هذا
الحديث الموضع الذي يقال فيه هذا الدعاء.
فبعض أهل العلم جعله
من أدعية الاستيقاظ عند النوم وعليه يدل تبوب البُخاري في موضع
(6317) بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ
بِاللَّيْلِ .
ولكن فيه من الروايات
ما يبين أنه بعد تكبيرة الإحرام.
قال ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه (2/184) بَابُ
ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّمَا كَانَ يَحْمَدُ بِهَذَا التَّحْمِيدِ وَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ
لِافْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلُ.
ثم ذكر الحديث بإسناده من طريق عِمْرَانَ وَهُوَ ابْنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ قَالَ بَعْدَمَا
يُكَبِّرُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .. »
.
من فوائدِ الحديثِ
1- التوسُّلُ إلى
الله سبحانه بأسمائه وصفاته قبل الدعاء .
الدُّعاءُ بمغفرة
الذنوب . 2
وينبغي الاعتناءُ
بالأدعية التي فيها مغفرةُ الذُّنُوب
لأنَّ مغفرةَ الذُّنوب مَحوُهَا وإزالتُها
.
وفي صحيح مسلم (2702)عن الأغرِّ المُزَني رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي
أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إليه مِائَةَ، مَرَّةٍ».
وفي سنن أبي داود (1516)عن
ابْنِ عُمَرَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ
لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم» .
مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من
ذنبه وما تأخَّر فأحرى بنا أن نكثر من الاستغفار وخاصَّةً النساء لأنهن أكثرُ أهل النارِ لكثرةِ
ذنوبهن { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }.
الذنوب خطيرة، وذلَّة،
ومن أسباب الحِرْمان والخذِيلة
والانتكاسَة .
الذنوب حمل ثقيل،
ولكنا لا نشعر بها قال تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ
ظَهْرَكَ﴾ [الشرح:2-3]. أنقض أي أثقل .
لكن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستشعرون بالذنوب، ويعتبرونها
هلَكَة لقوة إيمانهم ولخوفهم من ربهم سبحانه وعقابه .
أخرج البخاري (6822)
ومسلم (1112) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: أَتَى رَجُلٌ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، فقَالَ: احْتَرَقْتُ،
قَالَ: «مِمَّ ذَاكَ» قَالَ: وَقَعْتُ بِامْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ الحديث .
وفي روايةِ في
الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلَكْتُ ..
أكثر ما يؤتَى
الإنسان من قِبَلِ ذنوبه قال سبحانه{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ }.
والذنوب تخدع صاحبَها
في وقتٍ أحوج ما يكون فيه إلى النجاة من المهالك، والنجاة من الشقاوة، وعذاب الله،
وسخطه .
تخُونُ صاحبَها في
وقتٍ أحوجُ ما يكونُ فيه إلى الثبات .
ثبتنا ربي على طاعته ورضاه .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه تحفة المجيب: أخوف
ما نخاف على دعوتنا وأنفسنا من ذنوبنا اهـ .
وكانَ رحمه الله يحافظ على دوامِ
الدعوة وسلامتِها منْ كلِّ سوءٍ بالبُعْدِ عن الذُّنوب .
حتى إنه كانَ يبتعد عن أشياءَ –قد تكونُ ورعاً -محافظةً
على الدعوة
ويقولُ: أخشَى أنْ تنْهَارَ الدَّعوة .