جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 6 يناير 2016

(6) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


حسراتُ المفرِّطينَ في دينِ الله


قال الله عز وجل :﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس:30]

{ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ }  جاء عن ابنِ عباس :  يا ويلَ العبادِ .

أخرجه ابنُ جريرٍ في تفسير هذه الآية  من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

وعلي ابنُ أبي طلحة  لم يلقَ ابنَ عباس رضي الله عنهما.

وقال قتادة : أي ياحسرةَ العبادِ على أنفسها .

فنسَبَ الحسرة إلى العباد أنفسهم .

ولم يذكر ابنُ جرير و ابنُ كثير رحمهما الله في تفسير الآية ما يُفيدُ إثبات صفةَ الحسرة لله

عزوجل .

 وإنما نَصَّا على تحسُّرِ العبادِ أنفُسِهِم  .

 وقد نفى الشيخُ ابن عثيمين في تفسيرسورة يس صفةَ الحسرة وقال: لا تثبت لله عز وجل لأن
معناها الندامة.
أما الإمامُ السعدي ففي سياق كلامه ما يدل على إثباتها فإنه قال : يقول تعالى متوجِّعًا لعباده { يَا
حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } .
واللهُ أعلَمُ .
وقوله تعالى ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس:30] .

هذه الآية عامَّة مخصوصة بقوم يونس فإن الله عز وجل يقول: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ 

يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:98]  .

ولفظها لفظُ العموم والمرادُ المكذبون بالرسل، كما قال تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا 

بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾[سبأ:34] .

وفي سورة الزخرف  { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ 

وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } .

 وقد ذكر هذا الإمام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان .

استفدنا من الآيةِ الكريمةِ حسرة َمن يكذِّب بآيات الله ورسله وندامتهم، حسرة المخالفين لدينِ الله

وشرعه ، وحسراتهم متتالية لا تنقطع .

عند الاحتضار -ساعة الكُرْبَة والشِّدَّة -في حسْرة كما قال سبحانه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ

قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99].

وفي قبورهم في حسرة وشقاوةٍ وعناء.

ويوم حشرهم ومعادهم في حسرة ربنا عز وجل يقول:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ 

(51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} .

ويقولُ سبحانه ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ 

هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58].

وقال سبحانه: ﴿ولَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].
وفي النار وهم في حسرة كما قال سبحانه: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر37].


وقال سبحانه: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77].

وهذا يدل على تحسرهم وكراهتهم للحياة كراهيَّةً شديدةً فلهذا تمنُّوا الموت ،الموت أحسن من

البقاء في النار .

ونعوذ بالله من الندامة يوم لا ينفع الندم، ولهذا ربنا عز وجل يحذِّر عباده من الندم بعد الفوات ويأمر بالإفاقة قبل 

الندامة ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27].


ويقول سبحانه { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا 

أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} .

فليحذر الإنسانُ على نفسِه قبل أن يبكيَ دَما ، وتتقطع نفسُه حسراتٍ ،قبل أن يُحيطَ به العذابُ،

قبل أن يتمنَّى الرَّجعة إلى الدنيا ليُحْسِنَ عملا وهيهات ، الفرصة  تنتهي بالموت وتنقضي  


. والله المستعان .