جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 29 نوفمبر 2015

تفسير وفوائد قوله تعالى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]


{قُلْ ادْعُوا اللَّهَ}
 (الله) لفظ الجلالة من أسماء الله سبحانه ،دالٌ على صفة الألوهية لله عز و جل؛ أي أن الله هو المستحق للعبادة وحده.
{أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}
الرحمن من أسماء الله عز و جل ، دالٌ على صفة الرحمة لله عزوجل .
 وقد تكلم أهل العلم في الفرق بين الرحمن و الرحيم، فمن الأقوال المشهورة ما جاء عن محمد بن عبيد الله العرْزَمي أنه قال: الرحمن بجميع الخلق، و الرحيم بالمؤمنين .

وذكر ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد :أن الرحمن دال على

الصفة القائمة به سبحانه .

.
والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني 

للفعل .

فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه 

برحمته .
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجيء قط رحمن بهم فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفستْ عندها مرآةُ قلبك لم تنجل لك صورتها.
وقد شرح السفاريني في لوامع الأنوار  البهية  (1/32) قولَ ابن 


القيم (فالأول دال أن الرحمة صفته) قال أي صفة ذات له سبحانه 


.( والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته )قال: أي صفة فعل له اهـ.

على هذا صفة الرحمن صفة ذاتية قائمة بالله مثل العلم والقوة 


والحياة ولا تتعلق بالمشيئة .


واسم الرحيم يدل على صفة الفعل وهذا يتعلق بالمشيئة .

 (الله و الرحمن) هذان الاسمان لا يجوز لأحد أن يتسمى بهما.

 و قد ذكر المُناوي في فيض القدير في شرح حديث (إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) رواه مسلم (2143 ) .
 عن أبي العتاهية أن له ابنتين سمى إحداهما الله، والثانية الرحمن. والله أعلم .
والرحمن كان معروفاً هذا الاسم عند أهل الجاهلية .
وأما قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}[الرعد:30] فبيّن ابن جرير و الحافظ ابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ في تفسيرَيهما أن إنكارهم لاسم الرحمن إنما هو جحود وعناد.
ومما ذكروا من أشعار الجاهلية في هذا المعنى. قولُ بعضهم:
 ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاةُ هَجـِينَهَا         ألَا قضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينهَا                       
  هجينها: حملها              قضب الرحمن: قطع
{أَيًّا مَا تَدْعُوا}
أي أيهما شئتم فادعوا ، ادعوا الله أو ادعوا الرحمن.

الأسماء الحسنى :قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .
 وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من أسماء الله الحُسنى ، دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
وقد أفاد ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (1/ 161): أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالُها .
قال :وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه .
ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعَّال لِما يريد فإن الإرادة والفعل والصُنع منقسمةٌ ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا.
وقال ابنُ القيم رحمه الله في شفاء العليل 132:وأما لفظ الصانع فلم يرد في أسماء الرب سبحانه ولا يمكن ورودها فإن الصانع من صنع شيئا عدلا كان أو ظلما سفَها أو حكمة جائزا أو غير جائز وما انقسم مسماه إلى مدح وذم لم يجئ اسمه المطلق في الأسماء الحسنى كالفاعل والعامل والصانع والمريد والمتكلم لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم بخلاف العالم والقادر والحي والسميع والبصير اهـ المراد .
و قد جاءت رواية من حديث عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ).
وقد أفادنا  الوالد الشيخ مقبل  الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن لفظة صانع شاذة و أن الصواب خالق ، يصنع .
قلتُ:أخرج ابنُ أبي عاصم في السنة عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» .
وأخرجه البخاري في خلق أفعال العباد 46 :بلفظ «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ».
قلت: وقرَّرأيضاً الشيخ بكرأبوزيد في معجم المناهي اللفظية 322:أن الصانع ليس من أسماء الله .
 هذه الآية الكريمة فيها إثبات الأسماء الحسنى لله عز وجل.
ونفي أسماء الله عز وجل أو نفي بعضها إلحاد.
 الإلحاد في اللغة: الميل ومنه اللحد الذي يكون في جانب القبر .
ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الجن:22] .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد (1/ 169) :أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل فتميل إليه عن غيره تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه .
- الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه و تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله عز و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله عزوجل  وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
و لكن أهل العلم يقولون  باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معانٍ لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة من بدائع الفوائد لابن القيم و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
- من القواعد في أسماء الله عز وجل:
1- أنها مترادفة و متباينة. مترادفة باعتبار الذات فهي أسماء لمسمَّى واحد، و متباينة باعتبار الصفات .
2- أسماء الله عز وجل أعلام و أوصاف ، فكل اسم يدل على صفة.
3- كل اسم من أسماء الله عز وجل له ثلاث دلالات يدل على المطابقة و التضمن والالتزام.
المطابقة: دلالة اللفظ على جميع معناه ، التضمن: دلالة اللفظ على بعض معناه ، الالتزام: أن يلزم بعض اللوازم من إثبات اللفظ.
مثلًا السميع يدل دلالة مطابقة على اسم الله السميع، و على الصفة .
ويدل دلالة تضمن على الاسم وحده وعلى صفة السمع وحدها .
 و بدلالة الالتزام يلزم أن الله حي من إثبات هذا الاسم.
وهكذا في سائر أسماء الله عز و جل كل اسم يدل على هذه الثلاث الدِلالات (بكسر الدال وفتحها).
4-أسماء الله عزوجل وصفاته توقيفية فلا نسمي اللهَ ولا نصفه بما لم يأت في الشرع.

وللتوسع في باب أسماء الله و صفاته يراجع بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ و القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
والله أعلم .