جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 13 سبتمبر 2015

تفسيروفوائد قوله تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}

بسم الله الرحمن الرحيم
هم يوسف عليه الصلاة والسلام وهم امرأة العزيز

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}الهمُّ على ظاهره في حق نبي الله يوسف عليه السلام وهو وجودُ

 داعي الشهوة .

قال شيخ الإسلام في فتاواه (7/725) قَالَ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطِرَاتٍ، وَهَمُّ إصْرَارٍ.

وقال رحمه الله في فتاواه (10/279)الْهَمُّ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ " نَوْعَانِ " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد 

الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

{أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً 

وَاحِدَةً} وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلَّهِ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةً وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَيُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ اهـ 

المراد.
وهمُّ يوسف همُّ خطرات حديث نفس جزم بذلك شيخ الإسلام فقد قال  في "الزهد والورع والعبادة" 169وَمن هَذَا الْبَاب –أي هم الخطرات -هم يُوسُف حَيْثُ قَالَ تَعَالَى وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه الْآيَة .
وقال رحمه الله في منهاج السنة (2/412)يُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا هَمَّ تَرَكَ هَمَّهُ لِلَّهِ، فَكَتَبَ اللَّهُ بِهِ حَسَنَةً كَامِلَةً وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً قَطُّ، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهَا هَمَّتْ وَقَالَتْ وَفَعَلَتْ، فَرَاوَدَتْهُ بِفِعْلِهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَيِّدِهَا وَاسْتَعَانَتْ بِالنِّسْوَةِ، وَحَبَسَتْهُ لَمَّا اعْتَصَمَ وَامْتَنَعَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الذَّنْبِ وَلِهَذَا قَالَتْ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 53]اهـ
فتبين من كلام شيخ الإسلام أن يوسف همَّ وفرق بين همِّه وهم امرأة العزيز.
وهذا يدل أن الهم في حق يوسف على ظاهره وأن الآية على ظاهرها .
قال ابن الجوزي في زاد المسير في تفسير هذه السورة وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري.
وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله.
 وقال الوالد :إن من قال :لم يهم يوسف قالوا لكمال يوسف ونزاهته .
وهذا أيضاً فتوى اللجنة الدائمة .
ونص الفتوى(4/237) :الصحيح من أقوال العلماء في ذلك: أن الهم الذي وجد من يوسف -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- هو: الميل الجنسي الطبيعي الذي يوجد مع أي إنسان عند وجود سببه، وقد صرفه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}  ولا يجوز صرف الآية عن ظاهرها إلا بدليل اهـ المراد.
على هذا يوسف لم يقع في ذنب لأنه هم خاطر وفِكْر غير مستقر.
وقد ذكر شيخ الإسلام في  الفتاوى الكبرى(5/260)أن يوسف لم يقعْ  في ذنب.
قال :فإن الله عزوجل قال في آدَمَ وَزَوْجَتِهِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وَقَوْلِ نُوحٍ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وَقَوْلِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] .
 وَقَوْلِ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.
وقوله عزوجل عن داود{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] .
 وقَوْله تَعَالَى عَنْ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] .
قال :وَأَمَّا يُوسُفُ الصِّدِّيقُ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ ذَنْبًا فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُنَاسِبُ الذَّنْبَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، بَلْ قَالَ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ سُوءٌ وَلَا فَحْشَاءُاهـ.
قلت :وقدذكر عدد من المفسرين تحت هذه الآية ما أخرجه البخاري (6491)ومسلم(131) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً».
وفي روايةفي مسلم (129)عن أبي هريرة وفيه  ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ.
وتبين أن يوسف لم يرتكب ذنباً بهمه لهذا لم يذكر الله عنه ذنبا لأنه مجرد خطرات بدون قول ولا فعل ولا عزم وتركه لله وكتب له من أجلها حسنة .
وهناك أقوال أخرى في الآية { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }
منها :أنه أن يضربها ولا دليل عليه .
ومنها :أن المراد لم  يهم بها وقالوا هذا من باب التقديم والتأخير أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها .
ورده ابن جريرفي تفسيره وقال : إن العرب لا تقدم جواب"لولا" قبلها، لا تقول:"لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد": لولا زيد لقد قمت" .
وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة (2/716)وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك كما يدعي من التقديم في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ} [يوسف 24] وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها فهذا أوَّلا لا يجيزه النحاة ولا دليل على دعواه اهـ المراد.
ابن القيم هنا يرده من وجهين :
أحدهما أنه لا يجيزه النحاة.
الثاني :أن دعوى لا دليل عليها .
وذلك أن الأصل عدم التقديم والتأخير فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل .

وقوله { لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} الله أعلم بالمراد بالبرهان .

قال ابن جرير في تفسير هذه الآية :الصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة  وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب  وجائز أن تكون صورة الملك وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا  ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك كان من أيٍّ.
 والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه اهـ.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: جواب «لولا» محذوف. قال الزجاج: المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما همّ به. قال ابن الأنباري: لزنى، فلما رأى البرهان كان سبب انصراف الزنا عنه.
من فوائدالآية
1-فضل الإخلاص وأنه حرز وحصن من الوقوع في الفواحش والمعاصي .
وهذا كما في الحديث الآخر (احفظ الله يحفظك ).
ومن ثمار الإخلاص أنه حِصن من الشيطان الرجيم { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} .
ومن ثمار الإخلاص أنه سبب لصفاء القلب كما روى ابن ماجة (230)عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ".
2-كرامة ليوسف عليه السلام حيث ثبَّته الله وعصمه .

1-   شهادة الله ليوسف بأنه من عباده .

وهذه عبودية خاصة تفيد التشريف لأن العبودية الخاصة هي عبودية الامتثال والطاعة .

2-   ولهذا ربنا يصف نبيه بها محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها في أعلى المقامات .


3-   اهتمام الله عزوجل بيوسف ورعايته له فهو الذي حفظه ولهذا قال كذلك لنصرف عنه السوء ..