جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 22 أغسطس 2015

تلخيص "نصيحة أهل الحديث " / للخطيب رحمه الله


                     بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيبا مباركاً فيه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فقد قرأنا مع بعض أخواتنا في الله في المدينة"نصيحة أهل الحديث"للخطيب أَبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْحَافِظ رَحمَه الله تَعَالَى في مجلسين  .
واستفدنا فوائد ومسائل عظيمة في آداب طالب الحديث خصوصاً وجميع طُلاَّب العلم عموماً فجمعتها ولخصتها ورتبتها لأستفيد منها ومن شاء الله وعلقت عليها بما يسر الله سبحانه ونسأل الله أن ينفعنا بذلك .
الأول : الحث على تعلم العلم في صغر السن وطراوته وفي وقت الشباب وفيه بعض الآثار .
1-أثر الشافعيتَفَقَّهْ قَبْلَ أَن تَرَأَّسَ فَإِذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّفَقُّهِ.وفيه الحسن بن عامر النصيبي الله أعلم بحاله .
2-أثر إِنَّمَا تَقْبَلُ الطِّينَةُ الْخَتْمَ مَا دَامَتْ رَطْبَةً .
قال الخطيب :  أَي أَن الْعلم يطْلب فِي طرواة السِّنِّ .
3-أثر عمر بن الخطابأَنَّهُ قَالَ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا. وأثر عمر صحيح مداره عند الخطيب على  ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ الْأَحْنَفِ عن عمر .
وهناك خلاف في  المراد بأثر عمر وَاستظهر الحافظ ابن حجرفي فتح الباري في كتاب العلم (باب الاغتباط في العلم)أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الرِّيَاسَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغْبَطُ بِهَا صَاحِبُهَا فِي الْعَادَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْغِبْطَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ الْعِلْمِ أَوِ الْجُودِ وَلَا يَكُونُ الْجُودُ مَحْمُودًا إِلَّا إِذَا كَانَ بِعِلْمٍ فَكَأَنَّهُ يَقُول تعلمُوا الْعلم قَبْلَ حُصُولِ الرِّيَاسَةِ لِتُغْبَطُوا إِذَا غُبِطْتُمْ بِحَقٍّ وَيَقُولُ أَيْضًا إِنْ تَعَجَّلْتُمُ الرِّيَاسَةَ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَمْنَعَ صَاحِبَهَا مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ فَاتْرُكُوا تِلْكَ الْعَادَةَ وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتَحْصُلَ لَكُمُ الْغِبْطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَمَعْنَى الْغِبْطَةِ تَمَنِّي الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرُ مَا لِلْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اهـ
وهذه نصيحة أهل العلم  سابقا ولا حقا العناية  بالعلم في صغر السن .
أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل أن عروة بن الزبيرقال :أَيْ بُنَيَّ كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ فَأَصْبَحْنَا كِبَارَهُمْ، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ صَغَائِرُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ، فَمَا خَيْرٌ فِي كَبِيرٍ، وَلَا عِلْمَ لَهُ، فَعَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ .
وقال الخطيب في "الفقيه والتفقه" (2/818) التفقه في زمن الشبيبة وإقبال العمر والتمكن منه بقلة الأشغال وكمال الذهن وراحة القريحة (أي راحة البال) يرسخ في القلب ويثبت ويتمكن ويستحكم، فيحصل الانتفاع به والبركة إذا صحبه من الله حسن التوفيق.
وإذا أهمل إلى حالة الكِبَر المغيرة للأخلاق الناقصة للآلات كان ما قال الشاعر:
إذا أنت أعياك التعلم ناشئا ... فمطلبه شيخًا عليك شديد. اهـ
وقال آخر
ما الحلم إلا بالتحلم في الكِبر ... وما العلم إلا بالتعلم في الصغر
لو ثُقِب القلب المعلَّم في الصبا ... لألفيت فيه العلم كالنقش في الحجر .
وليس معناه أن من فاته بكور عمره أن يفرط أيضاً فيما تبقى من عمره فإن من توفيق الله له  أن يتدارك ما تبقى من عمره وقد تعلم كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم كبار .
كان فيه واحدة في سن الأربعين تتمنى أن تكون طالبة علم لكنها ترى أنه قد مشى كثير من عمرها فتحدثت مع الوالد الشيخ مقبل رحمه الله فقال :قولي لها تطلب العلم .


الثاني : بين الخطيب غوائل ترك طلب العلم في صغر السن أنه قد يستحي أن يسأل من هو أصغرمنه سنا أو يحصل له أَنَفة فيبقى على جهالته ويضيع دينه .
قال الخطيب رحمه الله : وَلَعَلَّهُ يَطُولُ عُمْرُهُ فَتَنْزِلُ بِهِ نَازِلَةٌ فِي دِينِهِ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا فَقِيهَ وَقْتِهِ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ حَدِيثَ السِّنِّ فيستحي أَوْ يَأْنَفُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ وَيُضَيِّعُ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ تَعَرُّفَ حُكْمِ نَازِلَتِهِ اهـ .
ومن هذه الغوائل أنه قد يأتي من يلومه ويعيره إذا رآه يسأل عن مسألة من المسائل الصغار التي هي من مسائل الصيبان .قال الخطيب فَإِن أَدْرَكَهُ التَّوْفِيقُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَأَلَ الْفَقِيهَ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَدْرِي بِهِ وَيَلُومُهُ عَلَى عَجْزِهِ فِي مُقْتَبَلِ عمره إِذْ فَرَّطَ فِي التَّعْلِيمِ فَيَنْقَلِبُ حِينَئِذٍ وَاجِمًا وَعَلَى مَا سَلَفَ مِنْ تَفْرِيطِهِ نَادِمًا .
ثم ذكر أنه جَاءَ رَجُلٌ وَافِرُ اللِّحْيَةِ إِلَى الْأَعْمَش فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الصِّبْيَانِ يَحْفَظُهَا الصِّبْيَانُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْأَعْمَشُ فَقَالَ
انْظُرُوا الى لحيته تحْتَمل حفظ أَرْبَعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَمَسْأَلَتُهُ مَسْأَلَةُ الصِّبْيَانِ .
والأثر ضعيف فيه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ الغزاء مجهول حال لم يذكر السمعاني في" الأنساب "راوياً عنه سوى الرامهرمزي .ولكن لوصفه بالغزاء يخرجه من الجهالة العينية إلى الجهالةالحالية .
قلت :وأيضاً من الغوائل أنه قد لا يتمكن من طلب العلم إذا كبر فقد بُشغَل .
وأنه يفوته الحفظ السيَّال وفراغ الذهن الذي يعينه على الحفظ السريع وسرعة التحصيل.
الثالث : حث الطالب على تلقي العلم عن المشايخ ليستفيد منهم ويفهم الفهم الصحيح ويزول عنه الإشكالات .
قال الخطيب :وَلَا بُد لِلْمُتَفَقِّهِ مِنْ أُسْتَاذٍ يَدْرُسُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ مَا أَشْكَلَ إِلَيْهِ ويتعرف مِنْهُ طرق الِاجْتِهَادِ وَمَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ .
ومما ذكر الخطيب من الآثارأنه قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْجِدِ حَلْقَةٌ يَنْظُرُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَأْسٌ قَالُوا لَا قَالَ لَا يَفْقَهُ هَؤُلَاءِ أَبَدًا .
وإسناده ضعيف فيه مبهم ومن لا يُعرَف حاله .
وما أحسن ما قال ابن الوردي في حثه على التلقي
اتخذ شيخاً يجنبك الردى ..       ويبين لك أعلام الهدى
التلقي مفتاح خير ويختصر المعلم للطالب الطريق  وييسره له ويدرك المتعلم العلم سريعاً بإذن الله فإن المعلم عنده اطلاع وعلم فيُقدم للطالب العلم ناضجاً جاهزاً , بعض المسائل قد يكون بقي فيها ساعات وهو يحررها ويبحث فيها ثم يقدمها للطلاب زُبْدَةً جاهزة وكان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول : رُبَّ جلسة عند المعلم تعدل قراءة شهرٍ اهـ .
بخلاف الذي يقرأ في الكتب مباشرة من أول وهلة قد يفهم خطأً وقد يحفظ خطأً كأن يكون الاسم مصحَّفاً أو الكلمة مصحفة ويستصعب عليه أموراً كثيرةً وهذا يُسميه أهل العلم صحفياً أي أنه يأخذ  العلم عن الصحف وقد أخرج ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل  بسند حسن عن سعيد بن عبدالعزيز، يقول: لا تأخذوا العلم عن صُحُفي، ولا القرآن من مصحفي.
قال الإمام النووي رحمه الله في «مقدمة المجموع» (صـ62):
قالوا: ولا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق، فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف، ويكثر منه الغلط، والتحريف. اهـ
والشاعر يقول:
          ومن نال العلوم بغير شيخ ... يضل عن الصراط المستقيم
وتلتبس العلوم عليه حتى ... يكون أضل من تومة الحكيم
تصدَّق بالبنات على رجال ... يريد بذاك جنات النعيم
وكان الوالد رحمه الله يعلّق على هذه الأبيات ويقول: هذا إذا لم يحسن اختيار الكتاب. اهـ .
 يقصد أن هذا ليس على إطلاقه والبركة من الله .
الرابع:الحرص على الأخذ عن الكبار وقدأخرج  البخاري في صحيحه في كتاب العلم (59)عن أبي هريرةعن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث وفيه: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».
قال الحافظ في الفتح : كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْأَكَابِرِ تَلْمِيحًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِاهـ
قلت :حديث أبي أمية أخرجه الخطيب في "نصيحة أهل الحديث" وإسناده ضعيف فيه ابن لهيعة ضعيف .وأبو أمية الجمحي ذكره الحافظ في الإصابة وقال :قال أبو عمر: -ابن عبدالبر-ذكره بعضهم في الصحابة وفيه نظر .
وقال أبو موسى: ذكره أبو مسعود في الصّحابة اهـ.
وأخرجه ابن المبارك في الزهد(61) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ اللَّخْمِيِّ به .
وابن لهيعة ضعيف. وإن كان بعضهم قواه إذا روى عنه أحد العبادلة .
فقد كان يحيى بن سعيد لا يرى ابن لهيعة شيئاً.
وقيل لعبد الرحمن بن مهدي نحمل عن ابن لهيعة قال لا تحمل عنه قليلاً ولا كثيراً كتب إلى ابن لهيعة كتاباً فيه ثنا عمرو بن شعيب فقرأته على ابن المبارك فأخرج الى ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة فإذا: حدثني إسحاق ابن ابي فروة عن عمرو بن شعيب.
وضعفه أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين والفلاَّس وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان كما في الجرح والتعديل.
وقال ابن أبي حاتم سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه فقال: آخره وأوله سواء إلا ان ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ وكان ابن لهيعة لا يضبط وليس ممن يحتج بحديثه اهـ .
    قلت :الأصاغرفي المراد به قولان .
 أحدهما: أنهم أهل البدع .
الثاني: أنهم صغار السن .
وقد ذكر ذلك  الخطيب في "نصيحة أهل الحديث" .
وأخرج الخطيب بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : لَا يزَال النَّاس بِخَير ماأخذوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ أُمَنَائِهِمْ فَإِذَا أَخَذُوا مِنْ صِغَارِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا .
وعلَّق عليه الخطيب بما جاء عن ابن قتيبة سُئِلت عَنْ قَوْلِهِ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ .
 يُرِيدُ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمُ الْمَشَايِخَ وَلَمْ يَكُنْ عُلَمَاؤُهُمُ الْأَحْدَاثَ لِأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ مُتْعَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ وَعَجَلَتُهُ وَسَفَهُهُ وَاسْتَصْحَبَ التَّجْرِبَةَ وَالْخِبْرَةَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهِ الشُّبْهَةُ وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَوَى وَلَا يَمِيلُ بِهِ الطَّمَعُ وَلَا يَسْتَزِلُّهُ الشَّيْطَانُ اسْتِزْلَالَ الْحَدَثِ وَمَعَ السِّنِّ الْوَقَارُ وَالْجَلَالَةُ وَالْهَيْبَةُ وَالْحَدَثُ قَد تَدْخُلُ عَلَيْهِ هَذَا الْأُمُورُ الَّتِي أُمِنَتْ عَلَى الشَّيْخِ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَأَفْتَى هَلَكَ وَأَهْلَكَ اهـ

وهذه نصيحة علمائنا قديماً وحديثاً أن الطالب يتحرى ويحرص أن يتلقى عن الأجلَّة  وأهل الدين والعدالة.

قال النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن": ولا يتعلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته.
فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: (هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم) اهـالمراد.
وقد قال ابن القيم في كتاب الوابل الصيب ص41 الغفلة واتباع الهوى  يطمسان نور القلب ويعميان بصره، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} .
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي. فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة كان أمره فرطاً.
ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه، وفسر بالاسراف أي قد أفرط، وفسر بالإهلاك، وفسر بالخلاف للحق.
وكلها أقوال متقاربة، والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات، فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فإن وجده كذلك فليبعد منه.
وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل واتباع السنة وأمره غير مفروط عليه بل هو حازم في أمره فليستمسك بغرزه اهـ .
والشيخ القدوة  المتأهل للتدريس منبع خيرفيتأثر الطالب بخيره وبكلماته الراسخة ونصائحه الذهبية فيجد تحسنا في نفسه عظيما ويشعر بزيادة إيمانه وقوة همته وشدة خوفه من ربه ويكتسب خُلُق القناعة من هذه الدنيا والشوق للجنة .
وقد ذكر الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء أن من أسباب تخبط الطالب عدم وجود الشيخ القدوة فقال في ترجمة هشام الدستوائي في سياق أقسام طلاب العلم قال :وَتَلاَهُم قَوْمٌ انْتَمَوْا إِلَى العِلْمِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُتْقِنُوا مِنْهُ سِوَى نَزْرٍ يَسِيْرٍ، أَوْهَمُوا بِهِ أَنَّهُم عُلَمَاءُ فُضَلاَءُ، وَلَمْ يَدُرْ فِي أَذهَانِهِم قَطُّ أَنَّهُم يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْخاً يُقْتَدَى بِهِ فِي العِلْمِ، فَصَارُوا هَمَجاً رَعَاعاً، غَايَةُ المُدَرِّسِ مِنْهُم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُباً مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، وَيَنْظُرُ فِيْهَا يَوْماً مَا، فَيُصَحِّفُ مَا يُوْرِدُهُ، وَلاَ يُقَرِّرُهُ.
فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ وَالعَفْوَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُم: مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِماً اهـ.
أما مسألة الأخذعن صغار السن، الكبير يأخذعن الصغير إذا كان أهلاً لذلك فقد بوب أصحاب كتب المصطلح (رواية الأكابر عن الأصاغر ) سواء في السن أو القدر أو فيهما معاً ..
وقد روى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن تميم الداري حديث الجساسة الطويل .
و أخرج البخاري (6830)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ، مِنْهُمْ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الخ.
قال ابن الجوزي رحمه الله في «كشف المشكل» (1/63):
أما إقراء ابن عباس لمثل عبدالرحمن بن عوف ففيه تنبيه على أخذ العلم من أهله، وإن صغرت أسنانهم، أو قلت أقدارهم.
وقد قال وكيع :لا ينبل الرجل حتى يأخذ عمن هو فوقه ومن هو دونه ومن هو مماثل له .(دونه) سواء في السن أو المنزلة .
أما قول الناظم:
لا تأخذ العلم عن الصِغار                فإنه مظنة الصَغار
فيحتمل أن المراد به أهل البدع وأن المراد به صغير السن وأن المراد به الأمرين معاً .
وأيَّاًّ كان فكثيراً من كبار أئمتنا رووا عن تلاميذهم وعن غيرهم ممن هو أصغر منهم سناً .

الخامس: الحث على الجمع بين الرواية والدراية- أي الفهم –فلا يتهوَّر الطالب ويكون همُّه الجمع بدون فهْم فهذا من سوء التصرف في الطلب ، والعبرة بالكيفية لا بالكميَّة .
قال الخطيب : وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ لَا يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ فَقِيهًا إِنَّمَا يَتَفَقَّهُ بِاسْتِنْبَاطِ مَعَانِيه وإنعام التفكر فِيهِ اهـ
والفهم من أعظم نعم الله قال تعالى ممتناً على نبيه سليمان { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
وطرح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سؤالاً على أصحابه ليختبر أفهامهم كما في الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ» قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ».
و بوّب البخاري في صحيحه (باب الفهم في العلم) .
و علَّق الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " على أثر مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية، إنما العلم نور يجعله الله في القلب.
علَّق عليه وقال : العلم هو الفهم والدراية وليس بالإكثار والتوسع في الرواية.
وهذا ما يوصي به أئمتنا الطالب الحرص على الفهم والتفهم .
و أخرج الرامهرمزي في "المحدث الفاصل"بسند صحيح  عن علي بن المديني : التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم.
وأخرج ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجرح والتعديل» (2/34) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد، يقول: ينبغي لكتبة الحديث أن يكون ثبت الأخذ، ويفهم ما يقال له، ويبصر الرجل -يعني: المحدث- ثم يتعاهد ذلك منه -يعني: نطقه- يقول: حدثنا، أو سمعت، أو يرسله.
فقد قال هشام بن عروة: إذا حدثك رجل بحديث فقل: عمن هذا؟ أو فممن سمعته؟ فإن الرجل يحدث عن آخر دونه -يعني: دونه- في الإتقان، والصدق.
قال يحيى: فعجبت من فطنته.
وفي هذا الكتاب " نصيحة أهل الحديث" قَالَ الْخَطِيبُ : وَلَا يَقْتَنِعُ بِأَنْ يكون روايا حسب ومحدثا فَقَطْ .
وذكر الخطيب من الآثار الصحيحة ما رواه  الرَّبِيعِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ وَذُكِرَ مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ جُزَافًا فَقَالَ هَذَا مِثْلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَقْطَعُ حِزْمَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا وَلَعَلَّ فِيهَا أَفْعَى فَتَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي . قَالَ الرَّبِيعُ: يَعْنِي الَّذِينَ لا يَسْأَلُونَ عَنِ الْحُجَّةِ، مِنْ أَيْنَ هِيَ؟ .
وقد أخرجه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي ومناقبه " 74 :بسند صحيح
والأثر يشمل ما ذكره الربيع ويشمل من يكتب العلم من غيرفهم ولهذا ذكره الخطيب في الحث على فهم العلم.
وقوله (جُزَافًا) قال ابن الأثير في النهاية : «ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جُزَافاً» الجَزْفُ والجُزَاف: المجْهُول القَدْر، مَكِيلاً كَانَ أَوْ مَوْزُونا اهـ.
قلت : وهذا يوضح المراد من كلام الشافعي نهي الطالب عن الجمع للعلم بدون فهم ولا تفهم ولا تبصُّر .
ومما رواه الخطيب عن  أبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ قَالَ
سُئِلَ بَعْضُهُمْ مَتَى يَكُونُ الْأَدَبُ ضَارًّا قَالَ إِذَا نَقَصَتِ الْقَرِيحَةُ وَكَثُرَتِ الرِّوَايَةُ .
وابن دُريد متكلم فيه .
والقريحة :  قال الجوهري في الصحاح القريحة: أول ما يستنبط من البئر، ومنه قولهم: لفلان قَريحَةٌ جيِّدةٌ، يراد استنباط العلم بجودة الطبع. واقترحت عليه شيئاً، إذا سألته إيَّاه من غير رويَّةٍ.
وفي "المعجم الوسيط " القريحة :من الْإِنْسَان طَبِيعَته الَّتِي جبل عَلَيْهَا .
وملكة يَسْتَطِيع بهَا ابتداع الْكَلَام وإبداء الرَّأْي اهـ

تعريف الفهم

قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (72):  الْفَهْمُ فِطْنَةٌ يَفْهَمُ بِهَا صَاحِبُهَا مِنَ الْكَلَامِ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ .
ثم نبَّه الخطيب أن :

قلة التفهم من البعض سبَّب الطعن في أهل الحديث عموماً .

قلت :وفي ذلك يقول الشاعر
زوامل للأشعار لا علم عندهم ... بِجَيِّدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأحماله أو راح ما في الغرائر
وأخرج الخطيب رحمه الله بعض الآثار في بيان سد أفواه الطاعنين على أهل الحديث إذا كان ثَمَّ رواية مع دراية، يستفيد ويفهم .
 أخرج الخطيب في النصيحة و«الفقيه والمتفقه» (788) من طريق علي بن خشرم، قال: سمعت وكيعًا غير مرة يقول: يا فتيان تفهموا فقه الحديث؛ فإنكم إن تفهمتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي. وهذا أثر صحيح.

أما الأحاديث والآثار التي في " نصيحة أهل الحديث " فنشير إليها للفائدة مع بيان حالها حسب ما يتيسر:

1-      أثر الشافعي تَفَقَّهْ قَبْلَ أَن تَرَأَّسَ فَإِذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّفَقُّهِ وتقدم التنبيه عليه .
2-      أثر أبي محمد المروزي كَانَ يُقَالُ إِنَّمَا تَقْبَلُ الطِّينَةُ الْخَتْمَ مَا دَامَتْ رَطْبَةً . والأثرصحيح إلى أبي محمد .
3-      أثر عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا وهو صحيح .
4-      حديث أَبِي أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ قَالَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِهَا أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِ وهو مرسل . وقد تقدم الكلام عليه .
5-      أثر عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا يزَال النَّاس بِخَير ماأخذوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ أُمَنَائِهِمْ فَإِذَا أَخَذُوا مِنْ صِغَارِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا .وهو أثر صحيح .
6-      ما جاء من طريق أبي الصلت الهروي عن عَلِيّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُونُوا دُرَاةً وَلَا تَكُونُوا رُوَاةً حَدِيثٌ تَعْرِفُونَ فِقْهَهُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ تَرْوُونَهُ .
 وهذا حديث ضعيف جداً فيه أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق، وضرب أبو زرعة على حديثه.وقال العقيلي: رافضي خبيث. وقال ابن عدي: متهم.وقال النسائي: ليس بثقة . يراجع ميزان الاعتدال .
7-أثر الشافعي وَذُكِرَ مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ جُزَافًا فَقَالَ هَذَا مِثْلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَقْطَعُ حِزْمَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا وَلَعَلَّ فِيهَا أَفْعَى فَتَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي.وهو صحيح .
8-أثر ابن دُريد سُئِلَ بَعْضُهُمْ مَتَى يَكُونُ الْأَدَبُ ضَارًّا قَالَ إِذَا نَقَصَتِ الْقَرِيحَةُ وَكَثُرَتِ الرِّوَايَةُ . وابن دريد متكلم فيه .
9-أثر مالك :كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَلَالَةٌ لَقَدْ خَرَجَتْ مِنِّي أَحَادِيثُ لَوَدِدْتُ أَنِّي ضُرِبْتُ بِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا سَوْطَيْنِ وَأَنِّي لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ  . 
وهو من طريق ابن عُقدة وابْنُ عُقْدَةَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ  مختلف فيه ووصفه الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء " بقوله :الحَافِظ العَلاَّمَة، أَحَد أَعلاَم الحَدِيْث، وَنَادرَةُ الزَّمَان، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ عَلَى ضعْفٍ فِيْهِ.
وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان " شيعي متوسط ضعفه غير واحد وقواه آخرون .
10-ما رواه بِلَالُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ عُمَرَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ مَتَى صَلَاحُ النَّاسِ وَمَتَى فَسَادُهُمْ إِذَا جَاءَ الْفِقْهُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ اسْتَعْصَى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وَإِذَا جَاءَ الْفِقْهُ مِنْ قبل الْكَبِير تَابعه الصَّغِير فاهتديا .وهذا منقطع بلال لم يدرك عمر .
11-أثر جَاءَ رَجُلٌ وَافِرُ اللِّحْيَةِ إِلَى الْأَعْمَش فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الصِّبْيَانِ يَحْفَظُهَا الصِّبْيَانُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْأَعْمَشُ فَقَالَ انْظُرُوا الى لحيته تحْتَمل حفظ أَرْبَعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَمَسْأَلَتُهُ مَسْأَلَةُ الصِّبْيَانِ .وتقدم .
12-أثر مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ لِابْنَيْ أُخْتِهِ أَبِي بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ أَبِي أُوَيْسٍ أَرَاكُمَا تُحِبَّانِ هَذَا الشَّأْنَ وَتَطْلُبَانِهِ قَالَا نَعَمْ قَالَ إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تَنْتَفِعَا بِهِ وَيَنْفَعَ اللَّهُ بِكُمَا فَأَقِلَّا مِنْهُ وَتَفَقَّهَا .
وفيه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ الْفَقِيهُ شيخ الرامهرمزي وشيخه أبوعبدالله محمد بن إسماعيل لا أعرفهما بعد البحث عنهما .
13- أثر الْأَعْمَشِ قَالَ لَمَّا سَمِعْتُ الْحَدِيثَ قُلْتُ لَوْ جَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ أُفْتِي النَّاسَ قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَأَلُونِي عَنْهُ لَمْ أَدْرِ مَا هُوَ.
 وفي إسناده عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ قالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلتُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ، فَقَالَ: فِيْهِ لِين كما في سير أعلام النبلاء (15/543). .
14- ما رواه أَبُو عُمُرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ وَأَحْسبهُ يُوسُف بن الصَّاد قَالَ
وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلَانٍ فَسَأَلَتْهُمْ عَنِ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَمَا إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا كُنْتُ أَفْرُقُ رَأْسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَقَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَحَدَّثَنَاهُ فُلَانٌ وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ طُرُقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الْآنَ .وشيخ الرامهرمزي أَبُو عُمُرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ لم أعرفه وشيخه نسيه ابن خلاد أي الرامهرمزي وإن كان يوسف بن الصاد فلم أجده  والله أعلم .
15-أثر وكيع يَقُولُ لَقِيَنِي أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ لِي لَوْ تَرَكْتَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهْتَ أَلَيْسَ كَانَ خَيْرًا قُلْتُ أَفَلَيْسَ الْحَدِيثُ يَجْمَعُ الْفِقْهَ كُلَّهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي امْرَأَة ادَّعَت الْحمل وَأنكر الزَّوْجُ فَقُلْتُ لَهُ حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ فَتَرَكَنِي فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَآنِي فِي طَرِيقٍ أَخَذَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ.
وفي إسناده عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الطَّرَسُوسِيُّ وقد قال فيه أبوأحمد الحاكم: منكر الحديث كما في «اللسان».والله أعلم .
16-أثر وكيع يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَوْ أَنَّكُمْ تَفَقَّهْتُمُ الْحَدِيثَ وَتَعَلَّمْتُمُوهُ مَا غَلَبَكُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي شَيْءٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ بَابًا . وهو أثر صحيح .
17- قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْجِدِ حَلْقَةٌ يَنْظُرُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَأْسٌ قَالُوا لَا قَالَ لَا يَفْقَهُ هَؤُلَاءِ أَبَدًا .وتقدم الكلام عليه .
18- ماجاء من طريق أبي نُعَيْمٍ قَالَ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى زُفَرَ وَهُوَ مُحْتَبٍ بِثَوْبٍ فَيَقُولُ يَا أَحْوَلُ تَعَالَ حَتَّى أُغَرْبِلَ لَكَ أَحَادِيثَكَ فَأُرِيهِ مَا قَدْ سَمِعْتُ فَيَقُولُ هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَهَذَا هَاهُنَا نَاسِخٌ وَهَذَا مَنْسُوخٌ .وهو أثر صحيح .
19- ما جاء من طريق علي بن معبد عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَأَلَةٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ جَالِسٌ فَقَالَ الْأَعْمَشُ يَا نُعْمَانُ قُلْ فِيهَا فَأَجَابَهُ فَقَالَ الْأَعْمَشُ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا فَقَالَ مِنْ حَدِيثِكَ الَّذِي حَدَّثْتَنَاهُ قَالَ نَعَمْ نَحْنُ صَيَادِلَةٌ وَأَنْتُمْ أَطِبَّاءُ .
وهوأثر صحيح . وعلي بن معبد وعبيدالله بن عمرو رقيَّان ثقتان فقيهان.
20-ما جاء من طريق عَطِيَّةَ بْنَ بَقِيَّةَ يَقُولُ قَالَ لِي أَبِي كُنْتُ عِنْدَ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ إِذْ قَالَ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَتْكُمْ مَسْأَلَةٌ مُعْضِلَةٌ مَنْ تَسْأَلُونَ عَنْهَا قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا بسطَام توجه إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك حَتَّى تفوتونا قَالَ فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْهَةً إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّهُ انْقَطَعَ شَمُّهُ قَالَ فَجَعَلَ شُعْبَةُ يَتَشَاغَلُ عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَوْمَأْتُ إِلَى الرَّجُلِ أَنْ أَلِحَّ عَلَيْهِ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا أَبَا يحمد مَا أَشَدَّ الْبَغْيَ عَلَى أَهْلِهِ لَا وَاللَّهِ مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْء وَلَكِن أفته أَنْت قَالَ قُلْتُ يَسْأَلُكَ وَأُفْتِيهِ أَنَا قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَأَلْتُكَ قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَالزُّبَيْدِيَّ يَقُولَانِ يُدَقُّ الْخَرْدَل دقا بَالغا ثمَّ يشم فَإِنْ عَطَسَ كَذَبَ وَإِنْ لَمْ يَعْطِسْ صَدَقَ
قَالَ جِئْتَ بِهَا يَا فَقِيهُ وَاللَّهِ لَا يَعْطِسُ رجل انْقَطع شمه أبدا .
وهذا إسناد ضعيف عطية بن بقية قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء " مُكثرٌ عَنْ وَالِدِه، وَمَا عَلمتُ لَهُ شَيْئاً عَنْ غَيْرِه.
وَكَانَ شَيْخاً، مُحَدِّثاً، لَيْسَ بِالمَاهرِ، بَلْ طَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ ثم قال : قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ فِيْهِ غَفلَةٌ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ .
وقد ضعَّف الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة "عدداً من الأحاديث بسببه ومما قال عقب رقم (2953): ضعيف من أجل عطية بن بقية، فإنه غير معروف بالضبط .
وما جاء من الآثار في ضعف فهم بعض المحدثين في (فنِّ الفقه)فأغلبها لا يثبت. وقد نبهت على ذلك ولله الحمد في تعليقي على "المحدث الفاصل"للرامهرمزي وقد ذكر الرامهرمزي جملة منها في كتابه المذكور .
كما أنه أفادنا الوالد رحمه الله بما نصه :الغالب في المحدثين أنهم فقهاء ونادر يوجد محدث وليس بفقيه.

تم الانتهاء بعون الله منه يوم الأحد 1436/11/8. وأرجو من ربي أن ينفعنا به وما توفيقنا إلا بالله وهوحسبنا ونعم الوكيل .