الدرس الثاني :ليلة الأحد17من شوال 1436.
قال المؤلف ابومحمد المقدسي رحمه الله
باب التيمم
باب التيمم
ذكرالمؤلف المقدسي رحمه الله (باب التيمم) عقب الطهارة بالماء ﻷن التيمم بدل عن الماء.
تعريف التيمم
التيمم لغة :القصد .ومنه قوله تعالى { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [البقرة : 267] .أي لا تقصدوا .
وقال امرؤ القيس :
تيمَّمتُها من أَذْرِعاتٍ وأهلُها ... بيثرِبَ أدنى دارِها نظرٌ عالِ
مرجع البيت (الزاهر في معاني كلمات الناس) لمحمد بن القاسم أبي بكر الأنباري .
وشرعا:عرَّفه الحافظ ابن حجر في الفتح وقال: هوالقصد إلى الصعيدلمسح الوجه واليدين بنيةاستباحةالصلاة.
ومن أهل العلم من قال :التيمم :هومسح الوجه واليدين بشئ من الصعيد وهذا التعريف ذكره ابن قدامة في المغني (1/1782).
متى شرع التيمم ؟
مختلف في ذلك وأفادالحافظ في فتح الباري في أول شرح التيمم أنه جَزَمَ ابن عبدالبر فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابن سعد وابن حِبَّانَ أنه شرع في غزوة بني المصطلق .
قال الحافظ: وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ اهـ.
وكانت غزوة بني المصطلق سنةخمس وقال ابن إسحاق سنة ست.
سبب شرعية التيمم
من الآيات مانزل لسبب ومنها ما نزل لغير سبب . ومما كان نزوله لسببٍ آية التيمم .
أخرج البخاري (334)عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا» ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ .
فتبين من الحديث أن نزول آية التيمم ضياع عقد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وآية التيمم هي آية الوضوء فقد أخرج البخاري (4608)ما يبين ذلك وفيه فَالْتُمِسَ المَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} .
وقد اختلف العلماء في ذلك .قال الحافظ في فتح الباري :قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة .قَالَ بن بَطَّالٍ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوْ آيَةُ الْمَائِدَةِ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهَا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة الْآيَةَ اهـ.
قلت : فما بقي إشكال ولله الحمد أن آية التيمم هي آية الوضوء .
وهذه ثلاثة أحاديث في العمدة تحت باب التيمم
قال الإمام أبومحمد المقدسي رحمه الله :عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه -: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً مُعْتَزلاً , لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا فُلانُ , مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ , وَلا مَاءَ , فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ , فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ) .
ش:
قوله عليك بالصعيد ) إشارةإلى قوله تعالى{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}.
الصعيد:هوالتراب . و{ طَيِّبًا} الطيب:هوالطاهر .
الصعيد:هوالتراب ولايجزئ غيرالتراب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وجعلت تربتهالناطَهورا) رواه مسلم .نصَّ على التراب في سياق الامتنان فلايجزئ الرمْل ولاالحديد ولااﻷشجار ولاغيرها .والمسألة فيهاخلافٌ بين أهل العلم ولكن السنَّة تبيِّن ما أُجْمِل في القرآن ويفسر السنة بعضها بعضاً .
من فوائد من الحديث
1-تفقدالنبي صلى الله عليه وسلم أصحابه .
وهذه مهمةُ ولاةِ الأمور تفقد أمور رعيتهم والنصح لهم فليست الولاية اسم فقط بل هي حِمْلٌ كبير وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعمت المرضعة وبئست الفاطمة.
وترك القيام بالرعاية كبيرة من الكبائر وكثير من حُكَّام اليوم كما قال الوالد الشيخ مقبل رحمه الله :أهم شيء عنده أن يحافظ على كرسيه.
2-تيمم الجنب إذا لم يجد الماء .
وقد ذكرالله عزوجل في كتابه الكريم الحالات التي يشرع فيه التيمم فقال :{ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 6].
الشاهد:قوله تعالى{ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } [المائدة : 6] .
ذكر سبحانه أربعة أمور مبيحة للتيمم.
-المرض مبيح للتيمم ولوكان الماء موجودا بقيد الضرر.
قال ابن رجب في فتح الباري المراد به عند جمهور العلماء إذاكان استعمال الماء معه يخشى منه الضرراهـ.
{أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} المسافر وذُكِر لأن السفر مظنة انعدام الماء خاصةً في اﻷزمنة المتقدمة .
{ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} المحدث حدثا أصغر .
والغائط:كناية عن قضاء الحاجة .وأصل الغائط المطمئن من اﻷرض.
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ }أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء بسندٍ صحيح عن ابن عباس: أنه قال:"أو لامستم النساء" قال: هو الجماع.
و هذه الثلاثة اﻷمور السفروالحدث اﻷصغرواﻷكبرلايباح فيهاالتيمم إلا إذاكان الماء معدوما لقوله (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً).
ومن الحالات التي يباح فيها التيمم إذاكان يخشى من استعمال الماء الضررمثل أن يكون الماء باردا فيخشى لو استعمله أن يصاب بمرض كالزُّكام أو ألمٍ في العظام .وضابط هذا( أن يخشى حدوث علة أودوامها ) .
صحيح ليس بمريض لكنه يخشى حدوثَ علة أودوامها فإنه يباح له التيمم .
والدليل قول الله عزوجل {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ}َ [الحج : 78] .
وهناك( فاقدالطَّهورين )بفتح الطاء. وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في هذه المسألة (باب إذالم يجدماءولاتربا)
ثم ذكر حديث عائشة المتقدم في سبب نزول آية التيمم وفي بعض ألفاظ هذه الرواية عند البخاري(336) زيادة ( فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا ) .
الذي يفقد الماءوالتراب يصلي على حاله قال سبحانه{ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ َ} [البقرة : 286] وهذا كالمريض الذي لايجد من يخدمه وليس عنده ماء ولا تراب يصلي على حاله وكالمربوط الذي ليس عنده ماء ولاتراب .
قال الإمام المقدسي رحمه الله : عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: (بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ , فَأَجْنَبْتُ , فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ , فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ , كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ , ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَاثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً , ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ , وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ )
ش:
قوله (تمرغت) تقلبت .
( الدابة) كل مادبَّ على وجه اﻷرض . ويطلق عرفا على ذوات اﻷربع .
هذا الحديث كالحديث الذي قبله يفيد تيمم الجنب إذالم يجدالماء.
وفيه أيضاً من الفوائد
1-أن الصحابي قد يجتهد في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يتيسر له السؤال وقت الحاجة .
2-وفيه التعليم بالفعل . والتعليم بالفعل أبلغ من القول. النبي صلى الله عليه وسلم علمه كيفية التيمم بالفعل.
3-صفة التيمم .
4- أنه يضرب بيديه اﻷرض .وهذا يفيد أنه مايضعها على اﻷرض وضعا كما يفيده لفظة يضرب .
هذا هو السنة . فلو وضعها وضعاً أجزأه .
5-وقوله(ضربة واحدة) يفيد أن التيمم ضربةواحدة.
وماجاءمن حديث ابن عمرعن النبي صلى الله عليه وسلم(التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) .
هذا رجح الحفاظ وقفه . يراجع التلخيص الحبير .
6-فيه دليل على الاقتصار على مسح الكفين فلايزاد على الكفين في المسح .وهذا قول أهل الحديث وأهل الظاهر كما في بدايةالمجتهد لابن رشد.
وجمهور العلماء على المسح إلى المرفقين كالوضوء .
ولابأس أن ينفخ التراب من يده تخفيفا لأثرالتراب قبل أن يمسح لروايةٍ في البخاري (338) ومسلم (368) واللفظ للبخاري( فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ).
استفدنا من حديث عمار كيفية التيمم وسواءبدأبمسح اليدين أوبدأ بمسح الوجه فالرويات جاءت بهذا وهذا .
ولكن اﻷولى أن يبدأ بمسح الوجه لقوله تعالى{ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء : 43] بدأ سبحانه بمسح الوجه.
قال ابن القيم
رحمه الله في زاد المعاد(2/320) كَانَ-(أي
النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم )- يُحَافِظُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا قَدَّمَهُ
اللَّهُ، وَتَأْخِيرِ مَا أَخَّرَهُ، كَمَا بَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ (
«أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) وَبَدَأَ فِي الْعِيدِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ
جَعَلَ النَّحْرَ بَعْدَهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهَا، فَلَا
نُسُكَ لَهُ» ) تَقْدِيمًا لِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَبَدَأَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالْوَجْهِ،
ثُمَّ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ الرَّأْسِ، ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمًا لِمَا
قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرًا لِمَا أَخَّرَهُ، وَتَوْسِيطًا لِمَا وَسَّطَهُ،
وَقَدَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ
فِي قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
[الأعلى: 14] [الْأَعْلَى: 13] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
قال الإمام المقدسي رحمه الله عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْساً, لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ , وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا , فَأَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ , وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ , وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي , وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً , وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً) .
في هذا الحديث إثبات خمس خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم
الخصيصةاﻷولى:نصره الله بالرعب مسيرة شهر .الرعب:الخوف وهومايقذفه الله عزوجل في قلوب أعدائه.
وقوله (مسيرة شهر) قال البغوي في شرح السنة (13/196)مَعْنَاهُ: أَن الْعَدو يخافني، وبيني وَبَينه مَسَافَة شهر، وَذَلِكَ مِن نصر اللَّه إِيَّاه.
وقال ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول281 قيل: كان إذا هم بغزو قوم أرهبوا منه قبل أن يقدم عليهم بشهر، ولم يكن هذا لأحد سواه.
2-الخصيصةالثانية :(وجعلت لي اﻷرض مسجدا وطهور)هذا من خصوصياته ومن خصوصيات هذه اﻷمةأنهم يصلون حيثماأدركتهم الصلاة بخلاف مَن قَبْلنا كانوا يصلون في أماكنهم المعدَّةللصلاة .وكان هذا شرطاً في صحةصلاتهم .وروى أحمد في مسنده (11/639)بسندٍ حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه :( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ ).
وقوله (وطَهورا)قال ابن كثيرا في الفصول في سيرة الرسول : يعني به التيمم، فإنه لم يكن في أمة قبلنا، وإنما شرع له صلى الله عليه وسلم ولأمته توسعة ورحمة وتخفيفاً اهـ.
وفيه دليل على أن التيمم رافعٌ للحدث كالماءرفعامؤقتا .وليس بمبيح للصلاة كمايقول بعض العلماء .أي أنه مبيح للصلاة مع وجود الحدث .
- وفيه دليلٌ على أن التيمم بدل عن الوضوءفيقوم مقامَه ويأخذ أحكامه فيبقى على طهارته حتى يحدث أويجدالماء ويصلي به ماشاء فيبقى على طهارته إلا إذا أحدث أووجد الماء .وهذا قول جمهور العلماء أن وجودالماء ينقض الطهارةكمافي بدايةالمجتهد لابن رشد .
وسواء في الصلاة أوخارج الصلاة إذا سَمع الماء وهوفي الصلاة تبطل صلاته وعليه أن يخرج من صلاته .
وهذه مسألةمختلف فيها إذا كان في الصلاة وجاءالماء والصحيح أنه يبطل وضوءه وذلك أن التيمم شُرع عند فقد الماء . ويستثنى إذا سمع الماءوهويصلي ولكنه لوخرج من الصلاة فإنه يخرج وقت الصلاة .
يقول الوالد(الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله) لايخرج من الصلاة في هذا الحال لأنه لو خرج يخرج الوقت . والله عزوجل يقول : {ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء : 103] .
هذاوعموم قوله(وجعلت لي اﻷرض مسجدا) مخصوص هناك بعض اﻷماكن مثل معاطن اﻷبل والمقابر والحمامات هذه لايصلى فيها.
3-الخصيصةالثالثة(وأحلت لي المغانم ولم تحل ﻷحد قبلي ) -الغنائم جمع غنيمة:وهي مايؤخذ من مال الكفاربقتال.
وكانت لاتحل لمن قبلنا أخرج البخاري (3124)ومسلم (1747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا؟ وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا .
4-الخصيصةالرابعة(وأعطيت الشفاعة):وهي الشفاعة العظمى المذكورةفي قوله تعالى{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء : 79 ] .
ولم ينكرها أحدمن اﻷمةالإسلامية لاالمعتزلة ولا الخوارج ولا غيرهمﻷنهالفصل القضاء .
-الخصيصةالخامسة(وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)فيه عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يؤمن بهذا فهو كافر قال تعالى {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود : 17] وقوله(ياأيهاالناس إني رسول الله إليكم ) وقال سبحانه (لأنذركم به ومن بلغ) .
وقدذكر شيخ الإسلام في الفرقان بين أولياء الرحمن واولياء الشيطان أن كثيراًمن اليهود والنصارى يؤمنون برسالةالنبي صلى الله عليه وسلم لكن يقولون إنمابعث للأميين أي للعرب ولم يُبعث ﻷهل الكتاب .ويبين شيخ الإسلام أن هذا لايدخلهم في الإسلام لأن رسالة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامة للثقلين .وقد قال ربنا { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم(والذي نفسي بيده لايسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لايؤمن بي إلاكان من أهل النار) .وفقنا وإياكم لمايحب ويرضىَ .
اهـ باب التيمم وبالله العصمة والتوفيق .