جديد الرسائل

السبت، 11 أكتوبر 2025

(179) مذكرة في سيرة والدي الشيخ مقبل رحمه الله

 

                                  من تواضع والدي رَحِمَهُ الله

 

مرةً تكلم والدي رَحِمَهُ الله على الظاهرية، فسمعت ولدًا صغيرًا-لعل وليَّهُ لقَّنه- قال للوالد: وأنت ظاهري! فضحك الوالد، وذكر أن الأخذ بالظاهر مريح، لكننا لا نرتضي ظاهريةَ ابن حزم رَحِمَهُ الله  في الجمود؛ فهي ظاهرية مرفوضة لا نقبلها!

وكتبت عن والدي رَحِمَهُ الله ما يلي: أبو حيان الأندلسي صاحب «البحر المحيط» معاصر لابن تيمية، ولما قدم ابن تيمية إلى مصر أنشأ قصيدة في ابن تيمية، وبعد ذلك حصلت بينه وبينه مناقشة في مسألة، فقال أبو حيان: قد قال هذا سيبويه، فقال ابن تيمية: في «كتاب سيبويه» ثمانون مسألة أخطأ فيها سيبويه، فأنشأ أبو حيان قصيدة يذمه.

وتارة يذمه في كتابه «البحر المحيط».

وكان أبو حيان ظاهريًّا، وقال: من عرف المذهب الظاهري لا يستطيع أحد أن يتركه، فقال الشوكاني: لأنه حق([1]).

لكن لا كجمود أبي محمدٍ ابن حزم.

 

 



([1]) قال الشوكاني في «البدر الطالع»(2/288) ترجمة أبي حيان: الإِمَام الْكَبِير فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير... إلى أن قال: وَكَانَ ظاهريًّا، وَبعد ذَلِك انْتَمَى إِلَى الشافعي، وَكَانَ أَبُو الْبَقَاء يَقُول: إنه لم يزل ظاهريا، قَالَ ابْن حجر: كَانَ أَبُو حَيَّان يَقُول: محَال أَن يرجع عَن مَذْهَب الظَّاهِر من علق بذهنه. انْتهى.

وَلَقَد صدق فِي مقاله؛ فمذهب الظَّاهِر هُوَ أول الْفِكر آخر الْعَمَل عِنْد من مُنح الْإِنْصَاف، وَلم يَرد على فطرته مَا يغيرها عَن أَصْلهَا، وَلَيْسَ وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد الظاهري وَأَتْبَاعه فَقَط،  بل هُوَ مَذْهَب أكَابِر الْعلمَاء المتقيدين بنصوص الشَّرْع من عصر الصَّحَابَة إِلَى الْآن، وَدَاوُد وَاحِد مِنْهُم، وَإِنَّمَا اشْتهر عَنهُ الجمود فِي مسَائِل وقف فِيهَا على الظَّاهِر حَيْثُ لَا ينبغي الْوُقُوف، وأهمل من أَنْوَاع الْقيَاس مَالا يَنْبَغِي لمنصف إهماله.

 وَبِالْجُمْلَةِ فمذهب الظَّاهِر وَهُوَ الْعَمَل بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة بِجَمِيعِ الدلالات، وَطرح التعويل على مَحْض الرأي الذي لَا يرجع إِلَيْهِمَا بِوَجْه من وُجُوه الدّلَالَة، وَأَنت إذا أمعنت النّظر فِي مقالات أكَابِر الْمُجْتَهدين المشتغلين بالأدلة وَجدتهَا من مَذْهَب الظَّاهِر بِعَيْنِه، بل إِذا رُزقت الإنصاف وَعرفت الْعُلُوم الاجتهادية كَمَا ينبغي وَنظرت فِي عُلُوم الْكتاب وَالسّنة حق النظر كنت ظاهريًّا، أَي: عَاملا بِظَاهِر الشَّرْع مَنْسُوبا إِلَيْهِ لَا إِلَى دَاوُد الظاهري؛ فَإِن نسبتك ونسبته إِلَى الظَّاهِر متفقة، وَهَذِه النِّسْبَة هي مُسَاوِيَة للنسبة إِلَى الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَإِلَى خَاتم الرُّسُل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات التَّسْلِيم.