قال الشيخ خالد الأزهري رَحِمَهُ الله:
(التَّوْفِيقُ) خَلْقُ
قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ، وَضِدُّهُ الْخُذْلَانُ..
هذا التعريف عند الأشاعرة وذكره النووي رَحِمَهُ
اللهُ في «التبيان في آداب حملة القرآن» وبعض كتبه الأخرى؛ لأنه متأثر بالأشعرية،
وتعريف التوفيق: (خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي
الْعَبْدِ) ليس تعريف أهل السنة.
وقد نبَّه
على ذلك الشيخ صالح آل الشيخ في «شرح العقيدة الطحاوية»( 577)،
وقال: أما تفسير التوفيق والخذلان عند الأشاعرة، ويحسُنْ التنبيه عليه؛ لأنَّهُ
أكثر ما تجد في كتب التفسير وكتب شروح الأحاديث، وخاصَّةً «تفسير القرطبي» و «تفسير أبي السعود»، والرازي
وأشباه هذه التفاسير، وشروح الأحاديث كشروح النووي والقاضي عياض وابن العربي ونحو
ذلك من شروح الأحاديث، فإنَّ أكثر ما تجد تفسير التوفيق والخذلان هو تفسيره عند
الأشاعرة.
لهذا ينبغي العناية بهذا الموطن؛ لصلته بالقَدَر.
- التوفيق عندهم: خلق القُدْرَةْ على الطاعة،
يعني جَعَلُوا التوفيق هو القُدْرَةْ.
- والخُذْلَان: هو عدم خلق القُدْرَةْ على الطاعة.
يعني إِقْدَارُ الله عز وجل العبد على الطاعة هذا
توفيق، وعدم إِقْدَارُ الله عز وجل العبد على الطاعة هذا خذلان.
وهذا كما هو ظاهر لك فيه خلل كبير؛ لأنَّهُ جعل
التوفيق إقدارًا، وجعل الخذلان سلبًا للقدرة، وهذا فيه نوع قوة لاحتجاج المعتزلة
على الجبرية في معنى التوفيق والخذلان.
وتفسير أهل السنة وسط في أنَّ التوفيق زائد على
الإِقْدار، فالله عز وجل أَقْدَرَ العبد على الطاعة، بمعنى جَعَلَ له سبيلًا إلى
فعلها، وأعطاه الآلات وأعطاه القوة؛ ليفعل، ولكن لن يَفْعَلَ هو إلا بإعانَةٍ
خاصة؛ لأنَّ نفسه الأمارة بالسوء تحضُّهُ على عدم الفعل، عدم العبادة.
وهذا يلحظه كل مسلم من نفسه، فإنه يريد أن يتوجه
إلى الصلاة ويأتيه نوع تثاقل، يريد أن يقوم بنوعٍ من العلم والجهاد والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، ويصيب نفسه نوع من التثاقل، وهذا من الشيطان ومن النفس
الأمارة بالسوء، فإذا منحه الله التوفيق وأعانه على أن يَتَعَّبْد، أعانه على أن
يقول ما يقول بموافَقَةٍ للشرع، فهذا توفيق وإعانة خاصة يمنحها الله عز وجل من
يشاء من عباده. اهـ المراد من «شرح الطحاوية».
فالأشاعرة
عندهم: التوفيق خلق القدرة على الطاعة، والخذلان: عدم خلق القدرة على الطاعة.
أما التوفيق عند أهل السنة: قال ابن القيم
رَحِمَهُ اللهُ في «مدارج السالكين»(1/ 415): َالتَّوْفِيقُ إِرَادَةُ اللَّهِ
مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِعَبْدِهِ مَا يُصْلِحُ بِهِ الْعَبْدَ، بِأَنْ
يَجْعَلَهُ قَادِرًا عَلَى فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، مُرِيدًا لَهُ، مُحِبًّا لَهُ،
مُؤْثِرًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُبَغِّضَ إِلَيْهِ مَا يُسْخِطُهُ،
وَيُكَرِّهَهُ إِلَيْهِ، وَهَذَا مُجَرَّدُ فِعْلِهِ، وَالْعَبْدُ مَحَلٌّ لَهُ.
وقال أيضًا رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ أَجْمَعَ
الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ أَنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ أَنْ لَا يَكِلَكَ اللَّهُ إِلَى
نَفْسِكَ، وَأَنَّ الْخِذْلَانَ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ.
اهـ.
والتوفيق لغة: جعل الأمر موافقًا لآخر. قاله
الكافيجي في «شرح قواعد الإعراب» (54).