من تفسير سورة البقرة
قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينِ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾[البقرة: 273].
قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «طريق الهجرتين»(377): فوصفهم بست صفات:
إحداها: الفقر.
الثانية: حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه ونصر دينه، وأصل الحصر المنع، فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا، وقصروها على بذلها لله في سبيله.
الثالثة: عجزهم عن الأسفار؛ للتكسب، والضرب في الأرض هو السفر، قال تعالى: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [المزمل: 20]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾[النساء: 101].
الرابعة: شدة تعففهم، وهو حسن صبرهم، وإظهارهم الغنى حتى يحسبهم الجاهل أغنياءَ من تعففهم وعدم تعرضهم، وكتمانهم حاجتهم.
الخامسة: أنهم يُعرفون بسيماهم، وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم الله بها، وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياءُ؛ لأن الجاهل له ظاهر الأمر، والعارف هو المتوسم المتفرِّس الذي يعرف الناس بسيماهم...، فالمتوسمون خواص المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾[الحجر: 75].
السادسة: تركهم مسألة الناس فلا يسألونهم شيئًا، والإلحاف هو الإلحاح، والنفي متسلط عليهما معًا، أي: لا يسألون ولا يلحفون، فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف...،وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال هو سؤال الإلحاف، فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.
فهذه ستة صفات للمستحقين للصدقة، فألغاها أكثر الناس ولحظوا منها ظاهر الفقر وزيه من غير حقيقته، وأما سائر الصفات المذكورة فعزيز أهلها، ومن يعرفهم أعز، والله يختص بتوفيقه من يشاءُ. فهؤلاء هم المحسنون في أموالهم.