للإمام جلستان إذا صعد المنبر يوم
الجمعة
الجلسة
الأولى: جلوس
الإمام -إذا صعد على المنبر- قبل الخطبة الأولى حتى يفرغ المؤذن.
روى البخاري(916) عن السَّائِب
بْن يَزِيدَ، يَقُولُ: إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ
يَجْلِسُ الإِمَامُ، يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَكَثُرُوا، أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِالأَذَانِ
الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
وروى أبو داود (1092) من طريق عَبْدِ
الْوَهَّابِ -يَعْنِي: ابْنَ عَطَاءٍ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَانَ يَجْلِسُ إِذَا
صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرَغَ - أُرَاهُ قَالَ: الْمُؤَذِّنُ - ثُمَّ
يَقُومُ، فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ.
وسنده ضعيف؛ عبد اللَّه
بْن عُمَر هو العُمَري، كما في ترجمة
تلميذه عبد الوهاب بن عطاء من «تهذيب الكمال »(18/509)، والعمري:
مكبَّر الاسم مُضعَّف الرواية.
وأما عبد الوهاب بن عطاء
فهو: الخفاف، صدوق ربَّما أخطأ، أنكروا عليه حديثًا في العباس، يقال: دلّسه عن
ثورٍ.
وأصل الحديث في « صحيح البخاري»، وفيه
الاقتصار على الجلوس بين الخطبتين، كما
تقدم.
وقد ذكر هذه الرواية
الحافظ ابن حجر، واقتصر على هذه الطريق، فقال رَحِمَهُ الله في «فتح الباري»( 928):
وَحَكَى ابن الْمُنْذِرِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ عَارَضَ الشَّافِعِيَّ
بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ
الْخُطْبَةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ مُوَاظَبَتُهُ دَلِيلًا عَلَى شَرْطِيَّةِ
الْجِلْسَةِ الْوُسْطَى، فَلْتَكُنْ دَلِيلًا عَلَى شَرْطِيَّةِ الْجِلْسَةِ
الْأُولَى.
قال: وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ
بِأَنَّ جُلَّ الرِّوَايَات عَن ابن عُمَرَ لَيْسَتْ فِيهَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ
الْأُولَى، وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ الْمُضَعَّفِ،
فَلَمْ تَثْبُتِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الَّتِي بَيْنَ
الْخُطْبَتَيْنِ.
وقال ابن القاسم في «حاشية الروض المربع»(2/453)شرح
فقرة: ثم يسن أن يجلس-أي: الإمام- إلى فراغ الأذان: وفاقًا، وذكره ابن عقيل إجماع
الصحابة، ونقل عن أبي حنيفة خلاف، وعبارة «الهداية» لهم، وإذا صعد الإمام المنبر جلس، فصار إجماعا.
ثم قال
ابن القاسم: فإنه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر جلس، وأخذ بلال في الأذان،
فإذا كمله أخذ صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، وهذا مستفيض ثابت من غير
وجه، واستمر عمل المسلمين عليه، وفي الصحيح وغيره: وكان التأذين يوم الجمعة حين
يجلس الإمام.
والحكمة -والله
أعلم-؛ ليعرف الناس جلوس الإمام على المنبر، فينصتون له، ولجلوسه سكون اللغط،
والتهيؤ للإنصات والاستنصات لسماع الخطبة، وإحضار الذهن للذكر، ولأن الإمام يستريح
بذلك من تعب الصعود، ويتمكن من الكلام التمكن التام.
الجلسة
الثانية: عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا. رواه البخاري(928).
وقد تكلم الشيخ ابن
عثيمين في «الشرح الممتع»(5/61) على هذه المسألة، ثم قال: وعلى هذا يكون للخطيب
جلستان: الأولى عند شروع المؤذن في الأذان، والثانية بين الخطبتين.