الفرق بين مرضع ومرضعة
قوله: ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾[الحج].
قال الحافظ ابن كثير: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾: هَذَا مِنْ بَابِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُفَسِّرًا لَهُ: ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾.
أَيْ: تَشْتَغِلُ؛ لِهَوْلِ مَا تَرَى عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهَا، وَالَّتِي هِيَ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِ، تَدْهَشُ عَنْهُ فِي حَالِ إِرْضَاعِهَا لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾، وَلَمْ يَقِلْ: "مُرْضِعٍ".
وَقَالَ: ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ أَيْ: عَنْ رَضِيعِهَا قَبْلَ فِطَامِهِ. اهـ.
هذه فائدة توضح فائدة إلحاق التاء بمرضعة ولم يقل: بمرضع؛ لأن التاء تفيد أن هذا في حال إرضاعها، أي: في حال مباشرتها لإرضاع ولدها، بخلاف مرضع فهو أعم كما يأتي توضيحه من كلام ابن القيم.
قال ابن القيم في «بدائع الفوائد» (4/ 21): المرضع من لها ولد ترضعه، والمرضعة من ألقمت الثدي للرضيع، وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ أبلغ من مرضع في هذا المقام؛ فإن المرأة قد تذهل عن الرضيع إذا كان غير مباشر للرضاعة، فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعه لم تذهل عنه إلا لأمر أعظم عندها من اشتغالها.
وقال أيضًا رحمه الله في (3/ 29): فإن دخول التاء هاهنا يتضمن فائدة لا تحصل بدونها فتعين الإتيان بها، وهي أن المراد بالمرضعة فاعلة الرضاع، فالمراد الفعل لا مجرد الوصف، ولو أريد الوصف المجرد بكونها من أهل الإرضاع لقيل: مرضع، كحائض وطامث.
قال: ألا ترى إلى قوله: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»؛ فإن المراد به الموصوفة بكونها من أهل الحيض، لا من يجري دمها، فالحائض والمرضع وصف عام يقال على من لها ذلك وصفًا، وإن لم يكن قائمًا بها، ويقال على من قام بها بالفعل، فأُدخلت التاء هاهنا إيذانا بأن المراد من تفعل الرضاع، فإنها تذهل عما ترضعه؛ لشدة هول زلزلة الساعة، وأكد هذا المعنى بقوله: ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾، فعلم أن المراد المرضعة التي ترضع بالفعل لا بالقوة والتهيؤ.