الصفرة والكُدرة في آخر الحيض قبل الطهر
قال الإمام مالك في «الموطأ»(1/65): عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ مَوْلاةِ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وَسَلم، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْج النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وَسَلم بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهَا الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.
تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَ.
هذا أثر حسن لغيره؛ مَرجانة، والدة علقمة، تُكْنى أم علقمة، علّق لها البخاري في الحيض، وهي مقبولةٌ.
وأما علقمة بن أبي علقمة: بلال المدني، مولى عائشةَ، وهو علقمة بن أم علقمة، واسمها مَرْجانة: ثقةٌ عَلَّامة.
وللأثر طريق أُخرى يتقوى بها عند الدارمي(891) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِذَا رَأَتِ الدَّمَ، فَلْتُمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ أَبْيَضَ كَالْقَصَّةِ، ثُمَّ تَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي.
والكرسف: القُطن.
الصُّفْرة: لونٌ كالصَّديد يعلوه صُفْرة.
وأما الكدرة: فلونٌ بنِّي كالماء الوسخ.
القصة البيضاء: قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(1/325): الْمَاءُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَدْفَعُهُ الرَّحِمُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، يُشَبَّهُ؛ لِبَيَاضِهِ بِالْقَصِّ، وَهُوَ الْجَصُّ.
وفيه من الفوائد:
-اهتمام نساء السلف الصالح بأمور دينِهِن.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(1/324): وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا مَا كَانَ نِسَاءُ السَّلَفِ عَلَيْهِ مِنَ الِاهْتِبَالِ بِأَمْرِ الدِّينِ.
وَسُؤَالِ مَنْ يُطْمَعُ بِوُجُودِ عِلْمِ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِنَّ عِنْدَهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ- ابن عبد البر-: وَهَكَذَا الْمُؤْمِنُ مُهْتَبِلٌ بِأَمْرِ دِينِهِ، فَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ.
-أن أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانت مرجعًا عند الإشكالات للنساء وأيضًا للرجال.
روى الإمام الترمذي رحمه الله (3883)عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إِلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا.
-أن الصُّفرة في آخر الحيض قبل الطهر من الحيض.
ومثله الكُدرة.
وكما روى البخاري (326)عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا.
ورواه أبو داود (307) بلفظ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ، وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا.
-أن القَّصة البيضاء علامة على طهر المرأة.
والقَصة البيضاء هي إحدى علامات الطُّهر، وهي أقوى العلامتين.
والعلامة الثانية: الجفاف.
قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع»(2/543): عَلَامَةُ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، وَوُجُودِ الطُّهْرِ: أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الصفرة والكدرة، فإذا انقطع طهرت، سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا.
- عدم استعجال المرأة في الاغتسال حتى تطهر.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(1/325): أَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، فَإِنَّهَا تُرِيدُ لَا تَعْجَلْنَ بِالِاغْتِسَالِ إِذَا رَأَيْتُنَّ الصُّفْرَةَ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَّةٌ مِنَ الْحَيْضَةِ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.
-تفقد المرأة نفسها في أواخر الحيض، ولا تُهْمِل؛ للتأكد من طهارتِهَا.
-أنها تمسح موضع الأذى بشيءٍ أبيض كالقُطن والمنديل دون الألوان الأخرى؛ لأنه أوضح في التمييز؛ لبياضه.