قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَبَعدُ) أي: بعد حمد الله والثناء عليه وإفراده بالتوحيد.
قوله: (فَهَذَا) المشار إليه إما بتقديره في الذهن كأنه موجود، وذلك أن الكاتب إذا قام بكتابة موضوع قد يكتب مقدمة الكتاب قبل أن يدخل في الموضوع.
وقد يكون موجودًا حقيقة، وهذا إذا أجَّلَ كتابة المقدمة حتى فرغ من الكتاب ثم عاد إلى كتابتها، وطريقة علمائنا خاصة الأقدمين في الغالب: كتابة المقدمة قبل البحث، وقد يُفعل الثاني أحيانًا، والأمر واسع.
سبب تأليف «تَطهِيرُ الاعتِقَادِ» هو انتشار الشركيات. قال الصنعاني: (لِمَا رَأَيتُهُ وَعَلِمتُهُ يَقِينًا مِنِ اتِّخَاذِ العِبَادِ الأَندَادَ فِي الأَمصَارِ وَالقُرَى وَجَمِيعِ البِلَادِ) وهذا من حُسْن التأليف أن يبين صاحب الكتاب سبب تأليفه.
(وَهُوَ الِاعتِقَادُ فِي القُبُورِ) أي: في الأموات.
(وَفِي الأَحيَاءِ مِمَّن يَدَّعِي العِلمَ بِالمُغَيَّبَاتِ وَالمُكَاشَفَاتِ) المراد ادعاء المكاشفات. والمكاشفات الكفرية التي على طريقة الصوفية، كادِّعاء الاطلاع على ما في اللوح المحفوظ.
وهناك مكاشفات قد تحصل لبعض أولياء الله؛ كرامة من الله، قال شيخ الاسلام في «مجموع فتاواه» (27/499): الْمُكَاشَفَات تَقَعُ بَعْضَ الْأَحْيَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَأَحْيَانًا مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ اهـ المراد.
ولكن هذا كما قال الشوكاني في «قطر الولي»(239): الْغَالِب أَن ذَلِك لَا يكون إِلَّا من خُلَّصِ الْمُؤمنِينَ.
(فَوَجَبَ عَلَيَّ أَن أُنكِرُ مَا أَوجَبَ اللهُ إِنكَارَهُ) كتمان العلم شأن اليهود والنصارى ومن أوصافهم المذمومة، قال الله: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[آل عمران].
وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجب أهل العلم ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 79].
(فَاعلَم أَنَّ هَهُنَا أُصُولًا) الأصول: جمع أصل، وهو لغة: أسفل الشيء وأساسه، واصطلاحًا: ما بُنِي عليه غيره.
(هِيَ مِن قَوَاعِدِ الدِّينِ) أي: أساس الدين. والدين: ما أمر الله به على ألسنة رسله.
(الأَصلُ الأَوَّلُ: أَنَّهُ قَد عُلِمَ مِن ضَرُورَةِ الدِّينِ) ضرورة الدين قال الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب»: الشيء الذي لا يمكن لأحد من المسلمين جهله هو المعلوم بالضرورة من الدين. اهـ.
وهذا كأركان الإيمان، والإسلام، والإحسان.
(أَنَّ كُلَّ مَا فِي القُرآنِ فَهُوَ حَقٌّ لَا بَاطِلَ) وهذا مما يجب علينا أن نؤمن به أن كل ما في القرآن حق، قال الله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ [البقرة:176].
(وَصِدْقٌ لَا كَذبَ) فكل ما في القرآن صدق، قال الله: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) ﴾ [الزمر:33].
(وَهُدًى لَا ضَلَالَةَ) القرآن كله هدى؛ ولهذا الله يقول في وصفه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:9]، وهداية القرآن هداية دلالة وإرشاد.
(وَعِلمٌ لَا جَهَالَةَ) القرآن كله خير وبركة وعلوم وكنوز، وهو منزه عن الجهالة وعن السَّفه؛ وقد جاءت الأدلة بذم الجهل وأهله: قال الله: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة:67]. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام:35]، ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود:46].
(وَيَقِينٌ لَا شَكَّ فِيهِ) اليقين كما قال ابن منظور في «لسان العرب» (13/457): العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر.
ولا شك فيه أي: لا ريب فيه.
(فَهَذَا الأَصلُ أَصلٌ لَا يَتِمُّ إِسلَامُ أَحَدٍ وَلَا إِيمَانُهُ إِلَّا بِالإِقرَارِ بِهِ، وَهَذَا مُجمَعٌ عَلَيهِ لَا خِلَافَ فِيهِ) هذا عليه أدلته وعليه إجماع أهل العلم، ففيه رد على الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، و يشككون الناس فيه.
هذا الأصل فيما يجب علينا اعتقاده في القرآن، واشتمل على ذِكْرِ أوصافٍ للقرآن عظيمة، وبيان عُلُوِّ مكانته وشرفه.